إضاءات قرآنية في طريق النجاح (7) – تجنب الظلم تتجنب الفشل


لكي تكون ناجحا عليك أن تتجنب عوامل الفشل، ومن أبرز عوامل الفشل الظلم الذي يتوسل به البعض للوصول إلى تحقيق تطلعاتهم، والبصيرة القرآنية تضع الظلم في الطرف السلبي من سلم النجاح، حيث أن الذين يعتمدونه آلية للنجاح، يستحيل عليهم الصعود إلى هذا السلم، وما ذلك إلا لأن الظلم للنفس أو الآخرين يجعل عملية النجاح محفوفة بالتهديد الدائم ومن ثم الفشل الذريع.

ظلم النفس يتمثل في الخروج عن حد الاعتدال والتطرف صوب التصلب أو الليونة، وظلم الآخرين يكون بالاستيلاء على حقوقهم من دون وجه حق. ولا شك أن التطرف يسقط الإنسان في لحظة ما، فإذا كان النجاح يتطلب قدرا من الثقة بالنفس فإن الثقة الزائدة لحد الغرور تدفع بالإنسان للتعالي على الآخرين والاستغناء عنهم، وعدم الثقة بالنفس يجعل المرء مترددا في اقتناص الفرص التي تفتح أمامه آفاق المستقبل، وفي كلا الحالتين فشل أكيد، وكذلك فإن انتزاع حقوق الآخرين يدفعهم لانتهاز الفرص لاسترجاعها من الظالم، والمظلومون أشبه بالقناص الذي ينتظر لحظة وقوف الطير على غصن الشجرة، وبذلك يكون الظالم في حالة استنفار دائم لمواجهة التهديد المتواصل مما يستنزف كل طاقاته وحيويته النفسية.

يؤكد القرآن الكريم بصورة قاطعة أن الظالمين لا نصيب لهم من النجاح:\”انه لا يفلح الظالمون\”.

ويقدم لنا من خلال أربع آيات بينات صورا متعددة للظلم الذي قد يمارسه الإنسان بحق نفسه أو الآخرين.

1- قوله تعالى: \”ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته انه لا يفلح الظالمون\” 21/الأنعام.
توضح الآية الكريمة أن أكبر الظلم حين يتجاوز الإنسان حدوده، ويأتي من عنده بعمل أو قول ثم ينسب ذلك إلى الله سبحانه وتعالى، ظنا منه أن ذلك سلم يصعد به إلى النجاح بين الناس، وعلى العكس من ذلك حين يقف الإنسان بوجه الحقائق الدينية التي ذكر بها الأنبياء البشرية، وأرادوا لهم التزامها ليعيشوا السعادة في الدنيا والآخرة.
واعتبار القرآن الكريم لهاتين الحالتين أكبر الظلم، لأن الإنسان في كليهما يقطع الطريق على الناس للتفاعل مع الوحي السماوي الذي يعطي معنى إيجابيا للحياة، وبذلك يصد الناس عن النجاح في الدنيا والفوز في الآخرة، وهو بذلك لا يفشل فقط بل يدفع الناس في هاوية السقوط المريع.

2- قوله تعالى:\”قل يا قومي اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون\” 135/الأنعام.
صورة أخرى ينقلها القرآن الكريم من محاولات أنجح شخصية إنسانية مع قومه، حيث أن النبي محمدا(ص) يدعو قومه للتأمل في عواقب أعمالهم المغمسة بالظلم ومصادرة حقوق الآخرين، وعواقب عمله الطاهر المتسم بالعدل والحق في نظرته للآخرين، ويؤكد لهم أنه مستمر في فعله الناجح وسيترك لهم مواصلة العمل فيما اختاروا، لكن النتيجة والنجاح لن يكون أبدا من نصيب الظالمين.

3- وفي الآية الثالثة ينقل لنا القرآن الكريم صورة من حياة نبي الله يوسف عليه السلام، إذ وقعت امرأة تحت تأثير جاذبيته الجسدية، واصطادته في لحظة ضعف إنساني منها، وحاولت أن تدفع به ليستجيب لصوت شهوتها العارمة، مستفيدة من كل ما لديها من وسائل الإغراء والسلطة والتحرز، لكن يوسف رأى في استجابته لضعفها وانسياقه خلف شهوتها المؤقتة، ظلم لنفسه وظلم لسيده الذي ائتمنه على داره وظلم لها، إضافة إلى كونه سوء تقدير لحق الله جل وعلى. لذلك رفض يوسف الخضوع لها وآثر عليه ما سيكون من نتيجة عقابية مؤقتة، مع يقينه أن النجاح النهائي هو من نصيب الذين يتجنبون الظلم في شتى مرافق حياتهم، سواء علم الناس بحالهم أم لم يعلموا.
يقول تعالى:\”وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون\” 23/يوسف.

4- وهذه صورة من حياة نبي الله موسى عليه السلام، حيث أن قومه اتهموه بالخداع واستخدام السحر في سبيل التأثير عليهم لقبول رسالته، لكن موسى أكد أن من يتوسل بالسحر فهو ظالم لنفسه وللآخرين، وأن ما جاء به إنما هو دين سماوي من الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يستهدف مصلحة شخصية من وراء تبليغه للناس هذه الرسالة، ولو كان يمارس الخداع والاحتيال لعد واحد من الظالمين الذين لا نصيب لهم من النجاح، لنتابع القرآن الكريم في نقله لهذه الصورة:\”فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون\” 36،37/القصص.

وهكذا نجد التأكيد القرآني بعد التأكيد، أن العاقبة والفوز والنجاح ستكون من نصيب الذين يتجنبون الظلم لأنفسهم وللآخرين.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *