إضاءات قرآنية في طريق النجاح (9) – لا ينجح كافر


هنالك آيتان في القرآن الكريم تؤكدان أن لا نصيب للكافرين في النجاح، وإذا كان واضحا أن الكافرين قد يئسوا من الآخرة كيأسهم من أصحاب القبور إذ لا يؤمنون بالحياة بعد الموت، وإن هذه الدنيا كل ما منح للإنسان من حيوية يمكن له أن يعيش فيها، فإن القول بعدم نجاحهم في الدنيا قد لا يصدقه البعض، بل قد يرى البعض أن بعض الكافرين أنجح من المؤمنين لما يرونها من بهرجة واضحة عند بعض الذين لا يؤمنون.

لنتابع بداية الآيتين الكريمتين، ثم لنتأمل في مدلولاتهما، وما يمكن لنا أن نستخلص من بصيرة قرآنية نستفيدها في طريق النجاح.

1- قوله تعالى: \”ومن يدعو مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون\” 17/المؤمنون.

2- قوله تعالى: \”وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده لو لا أن من الله علينا لخسف بنا، ويكأنه لا يفلح الكافرون\” 82/القصص.

وهنا أنقل جزءا مما ذكره صاحب \”من وحي القرآن\”، في تفسيره للآية الأولى، قال:(\”انه لا يفلح الكافرون\” الذين لا يملكون أرضا يقفون عليها، فيما هو العلم، وفيما هو البرهان، بل يعيشون الاهتزاز في الفراغ فلا يصيرون إلى استقرار حتى يلاقوا النار، وهكذا تنتهي السورة بالإعلان عن عدم فلاح الكافرين، كما ابتدأت الحديث عن فلاح المؤمنين، لأن الإيمان في كل مفرداته هو سر الربح وسر النجاح، كما أن الكفر بكل ممارساته هو سر الخسارة وسر السقوط.. إن المسألة هي أن من يلتقي بالله في خط الإيمان والمعرفة والعمل فقد أدرك أسباب الفلاح، ومن لم يلتق به في حياته العامة والخاصة، في حركة الفكر والعمل، فقد أضاع فرصة النجاح في الدنيا وألأخرة).

والحق أن المراجعة الدقيقة لمعنى كلمة الكفر، وانطباقها كصفة على أي إنسان أو ملامسة شخصية أي إنسان لبعض أبعادها يؤدي به إلى الفشل وعدم النجاح في الدنيا قبل الآخرة، فالكفر ما هو إلا التغطية على الشيء الواضح، فكفر يعني غطى وستر، والكافر: هو الزارع لستره البدر بالتراب، وهو الليل المظلم لأنه يستر بظلمته كل شيء، وبهذا المعنى يكون الكافر هو الذي يغطي إيمانه ويحجبه ويمنعه من الظهور. لأن الأصل في الإنسان أن يكون مؤمنا بوجود قوة تتحكم في هذا الكون ووجود خالق أوجده في هذه الدنيا، وهذا ما دفع الفيلسوف هيجل للقول: أن الإنسان هو الكائن الوحيد المتدين على وجه الأرض، وقد وجد في تاريخ البشرية أن الإنسان إذا لم توجد ديانة سماوية توجهه، يختلق من نفسه دينا، ليعبر عن نزوعه الديني الفطري.

والذي يحدث بالنسبة للكافر الذي لا يقبل الرسالات السماوية، انه يضغط على نفسه ليغطي الوازع الداخلي، وبذلك يصنع لنفسه صراعا حادا هو في غنى عنه لو توافق مع نفسه وسلم بحقائق الإيمان التي تؤكدها فطرته.

ثم إن شخصية الإنسان الناجح تتسم بالواقعية، بمعنى قبول الحقائق التي يمكن الاعتماد عليها ليتسلق سلم النجاح في الحياة، وكلما جحد بحقيقة كلما قلل رصيده من النجاح، وأي الحقائق أعظم جلاء من وجود الله سبحانه وتعالى؟!

لقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلا واضحا للكافرين الذين يضن بعض الناس أنهم ناجحون من خلال ما يرونه من استعراض للثروة والإمكانيات، بقارون الذي وصل حدا فاحشا من الثراء، لدرجة أن مفاتيح كنوزه لتنوء بالعصبة أولي القوة، وكان إذا استعرض في يوم من الأيام يبهر الجميع بتنوع ممتلكاته، فيتمنون لو ينالون بعض ما عنده، أو مثله ولو ليوم أو ساعة.

لكن قارون كفر بما عنده من نعمة، والكفر بالنعمة هو عدم استثمارها في تنمية الواقع الاجتماعي، حسب الموازين الشرعية، ودفعه ثراؤه الفاحش إلى التكبر والتجبر على الناس، والتطاول على أصحاب الرسالات، بل وقوفه أمام نبي الله موسى، الذي ساهم في تعليم وتطوير شخصيته، وحسب ما يقوله المفسرون، أن موسى عليه السلام دعا قارون للمساهمة في تنمية المجتمع عبر إعطاء الحق الشرعي من ماله، فتآمر قارون مع جماعة من المترفين على موسى، وأغروا فاجرة بالمال، لتدعي أن موسى واقعها، ليسقط موسى بين الناس، ويتخلص قارون من التزامه بدفع جزء من ماله، لكن المرأة استفاق ضميرها في لحظة تجمهر الناس لسماع قولها، وقالت لقد فعلت كل شيء من الآثم ولكن هيهات أن أتهم نبي الله بما ليس فيه، ثم صرحت أن قارون وجماعته، أغروها بالمال لتقول كذبا على موسى ما روجوا له.

حينها فتحت الأرض فاها لتبتلع قارون وأتباعه، وإذا بالذين تمنوا الحصول على ما عند قارون يعلنون الندامة على تلك الأمنية الزائفة.

\”وأصبح الذين تمنوا مكانه يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لو لا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون\” 82/القصص.

,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *