التوافق في العلاقة الزوجية


ورقة لندوة بجمعية مدينة حمد النسائية بتاريخ 21/7/2003م.

يقصد بالتوافق في العلاقة الزوجية مهارة الزوجين في التكيف مع بعضيهما في مختلف مراحل الشراكة الزوجية، بغض النظر عن الضروف التي تمر بها هذه الشراكة، ويراد للعلاقة بين الزوجين أن تصل إلى أقصى درجات التكيف وهي مرحلة التكامل في التوافق بين الزوجين.
ولفهم أوضح لقضية التوافق في العلاقات الزوجية يمكن لنا أن نرسم أربع صور للعلاقة بين الزوجين، وهذه الصور تنطبق على كل علاقة زوجية قائمة بين اثنين من البشر.

‘,’

الصورة الأولى:صورة الحبيبين
ينظر كل زوج للآخر باعتباره معشوقه، يرى فيه المحقق لرغبته النفسية في التكامل مع إنسان أخر يسد حاجته في اكتشاف ذاته، كما يصب عليه كل عطفه وحنانه باعتباره النصف الآخر منه، يفرح لفرحه ويتألم لألمه، يأله لعناصر القوة فيه، وتأسره عناصر ضعفه، وكذلك الآخر فتراهما في علاقة دائرية كل واحد منها يشكل نصف الدائرة.
هذه الصورة تجسيدا لقوله تعالى:
\”ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة\”
فكل واحد من الزوجين يسكن للآخر ويهدأ حين يرتمي في حضنه محبة و عشقا لما يختزنه من عناصر القوة بالنسبة للزوج الآخر، أو عطفا وحنوا ورحمة لما يكتنفه الواحد منهما من عناصر ضعف تحتاج إلى رحمة.
في هذه الصورة يعطي كل واحد من الزوجين الآخر دون حدود ودون مطالبة بالمقابل، إذ يشعر إن عطاءه لنفسه ولإكمال النصف الآخر من دائرته.

الصورة الثانية:التبادلية في الحقوق والواجبات.
الصورة الأولى هي أرقى صور العلاقة الزوجية لكن الحياة لا تسير دائما على وتيرة واحدة والتقلبات في المشاعر والأحاسيس ما لا يمكن التنكر إليه في حياة البشر، بل قد يكتشف احد الزوجين أن الآخر لا يمثل النصف الآخر من دائرة تكامليته، ولكن بعد فترة من الزمن وبعد أن تكون العلاقة الزوجية قد أثمرت ولدا، في هذه الحالة يكتفي كل واحد من الزوجين بالتزام الواجبات التي تفرضها العلاقة الزوجية عليه فيقابل الشريك باعتباره صاحب حق وكذلك هو لا يطالب بأكثر من حقوقه، بينما في الصورة الأولى يعطي كل واحد منها الأخر دون حدود.
إن عقد الزواج بطبيعته يفرض حقوقا وواجبات متبادلة بين الزوجين، ويفترض في كل زوج أن يعلم بشكل تفصيلي ما له من حقوق وما عليه من واجبات، ومن المؤسف أن نجد الكثير من الأزواج لا يعلمون عن معادلة الحقوق والواجبات شيئا حتى حين يكتشف كل طرف منهما انه ليس الطرف التكاملي مع الزوج الآخر.
في هذه الصورة تتراجع اولويات الزوجين في النظر لبعضهما، فبعد أن كانت الزوجة النصف الافتراضي المكمل للزوج أصبحت أما لأطفاله وألام جديرة بالاحترام والتقدير، والتعامل بالحسنى معها ينعكس تلقائيا على معاملتها لعيالها، وكذلك الزوج بالنسبة للزوجة بعد أن كان المكمل أصبح أبا للعيال، وهو بعيدا عن أي شيء جدير بالاحترام والتقدير لكونه أبا للعيال.
وهذه التبادلية في الحقوق والواجبات هي التي تجعل سفينة الشراكة الزوجية تسير أمنة مستقرة.
يقول القرآن الكريم:
\”ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف\”
ويقول أيضا:
\”ولا تنسوا الفضل بينكم\”
وفي تشخيص للنبي \”ص\” إلى هذه الصورة، أي عدم ارتقاء العلاقة الزوجية إلى مرحلة التكامل بين الزوجين يوصي الإباء التدقيق في اختيار أزواج بناتهن في المستقبل، يقول\”ص\”:\”زوج ابنتك التقي فان أحبها أكرمها وان لم يحبها لم يظلمها\”
ولابد من التأكيد هنا أن هذه الصورة يمكن لها أن تتطور إلى صورة أرقى حين يلتزم كل من الزوجين التبادلية في الحقوق والواجبات، فالعشرة بالمعروف والوقوف مع الشريك في لحظات ضعفه وقوته تجعله يميل مع مرور الزمن لرؤية نفسه في الآخر. من هنا لا ينبغي الاستعجال في إطلاق الحكم على العلاقة الزوجية لمجرد إحساس احد الطرفين أو كلاهما أن الآخر لا يمثل النصف التكاملي الآخر منه.

الثالثة:الصورة المضطربة
وهي الصورة التي تكون فيها إمكانيات التعايش بين الزوجين صعبة، لكن التاريخ الزوجي بينهما وتبعاته من ولد أو مصالح مشتركة تجعل الانفصال أمرا أصعب من الاستمرار في العلاقة الزوجية سيما حين يكون للانفصال عواقب نفسية واجتماعية واقتصادية وخيمة على الزوجين أو احدهما والمتعلقين.إضافة إلى أن اضطراب العلاقة الزوجية في مرحلة ما لايعني أن هذه الشراكة حكم عليها بالفشل،فكم من علاقة زوجية متوترة عادت سفينتها للاستقرار من جديد بل استطاع الزوجان أن يتكاملا.
في هذه الصورة يمكن للزوجين أن يبحثا عن التوافق من خلال استعانتهما بطرف ثالث يساعدهما على وضع صلح بينهما يتكفل هذا الصلح بتخفيف آثار الخلاف بينهما.ومن المكابرة بمكان أن يمتنع الزوجان أو احدهما عن القبول بمصلح بحجة عدم الرغبة في إطلاع الآخرين على وضعهما،لان ترك العلاقة دون إصلاح يقودها إلى الانفصال المريع.
يقول تعالى:\”وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلح بينهما صلحا والصلح خير\”
وأفضل آليات الصلح التي يذكرها القرآن الكريم أن تختار الزوجة طرفا من أهلها ويختار الزوج طرفا من أهله ويحاولان وضع صياغة لصلح بين الزوجين يلتزم به الطرفان.
يقول تعالى:
\”فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما\”

الرابعة:النهاية المؤلمة
وهي صورة العلاقة الزوجية حين تتعقد إمكانيات التعايش بين الزوجين، وتفشل محاولات الإصلاح المتكررة، ويتحول الحب إلى كره وعناصر الجذب من قبل الطرفين إلى عناصر تنفير، ويصبح الصراح سيد الموقف، هنا لابد من البحث أيضا عن إمكانية للتوافق في إنهاء هذه العلاقة بحيث تكون النهاية نهاية ناجحة لا فاشلة، ذلك أن الطلاق بين الزوجين لا ينهي المتعلقات بينهما، والمقصود بالنجاح في الطلاق أن يتوافق الزوجان حاليا والطليقان في المستقبل على طريقة يديران فيها تبعاتهما بما يرضي الطرفين، حتى لا يتحول الطلاق إلى صراع مستديم يبدد طاقة الاثنين، ويجعل الأطفال بينهما مادة صراعية أو كرة تتقاذف بين الطرفين.

حقيقة يلزم الاعتراف بها
الواضح من خلال هذا التصور أن أرقى صورة للكيان الزوجي هي الصورة الأولى، وهي التوافق الذي دعا له الإسلام\”وجعل بينهما مودة ورحمة\”حيث يتحول الكيان الزوجي إلى سكن بين الزوجين لافرق فيه بين الرجل والمرأة فكل واحد منهما مشتمل على عناصر قوة ينجذب لها الآخر وعناصر ضعف يعطف عليه الأخر.
وهنا لابد من الاعتراف بحقيقة تساهم بشكل كبير في نمو التوافق بين الزوجين، وهي أن هنالك ثلاث شخصيات مستقلة يجب أن يتعامل معها على هذا الأساس دون إذابة واحدة منها لحساب الأخريين.
الأولى:شخصية الزوج.
الثانية:شخصية الزوجة.
الثالثة:شخصية الكيان الزوجي.
وان من الخطأ بمكان تصور البعض أن إذابة شخصية الزوجة في شخصية زوجها أو الكيان الأسري لمصلحة العلاقة الزوجية،بينما العكس هو الصحيح،نعم الاستقلالية في هذه الشخصيات الثلاث لا يعني الانفصال بينها،وإنما احتفاظ كل شخصية بحيزها الشخصي.

مجالات التوافق
بقي لابد من القول أن هنالك مجالات للتوافق،وكلما زادت المجالات التي يتوافق فيها الزوجان كلما ضمنا نسبة أعلى من التوافق بينهما واستطاعا الوصول إلى درجة التكامل في العلاقة الزوجية،ولا يقصد بالطبع من التوافق موافقة احدهما على وضعية الآخر مئة بالمئة وإنما قدرته في التكيف معه رغم اختلافه عنه،بمعنى أن يتقبل الزوجان بعضيهما كما هما،وفي تقديري أن هنالك ستة مجالات للتوافق بين الزوجين،اذكرها كعناوين واترك تفصيلها إلى محل آخر:
أولا:نمط المعيشة والحياة لدى كل واحد منها.
ثانيا:المال كسبا وإنفاقا وادخارا.
ثالثا:الولد إنجابا وتربية وتعليما وتزويجا.
رابعا:العلاقة الخارجية، سواء مع الأقارب أو الأصدقاء وعلى وجه الخصوص العلاقة مع الجنس الآخر لكل واحد من الزوجين.
خامسا:نوعية العمل والدراسة.
خامسا:العلاقة الجنسية.
والتوافق في العلاقة الجنسية أهم مجال في التوافق الزوجي،وعدم التوافق فيه قد يؤدي إلى توتر في العلاقة الزوجية في مرحلة مبكرة منها، ذلك أن أيا من الزوجين قد يجد تعويضا من مصادر خارجية في المجالات الأخرى، بينما العلاقة الجنسية لايمكن للزوجين الحصول عليها خارج المؤسسة الزوجية، والحصول عليها بطريقة غير مشروعة يؤدي إلى توتر عميق في العلاقة الزوجية،مهما طالت فترة عدم اكتشاف الشريك لذلك.
ومن المناسب هنا التذكير بضرورة أن يلم الزوجان بالثقافة الجنسية التي تمنح كل واحد منهما التعرف على أفضل السبل للتوافق مع شريك حياته جنسيا.وان ما يؤخذ على الكثير من العلاقات الزوجية اعتماد طريقة التجريب والصح والخطأ في تعلم الاستمتاع الجنسي،دون اللجوء إلى المرشدين في تعلم هذا الجانب الحيوي في العلاقة الزوجية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *