خطبة الجمعة ليوم 11/01/2002


الخطبة الاولى
معرفة النفس

الخطبة الثانية
ثواب الحج

‘,’

الخطبة الاولى: معرفة النفس
الحمد لله الاول قبل الانشاء والاحياء وآلآخر بعد فناء الاشياء، العليم الذي لاينسى من ذكره ولاينقص من شكره ولايخيب من دعاه ولايقطع رجاء من رجاه،اللهم اني اشهدك وكفى بك شهيدا واشهد جميع ملائكتك وسكان سماواتك وحملة عرشك ومن بعثت من انبيائك ورسلك وانشأت من اصناف خلقك،اني اشهد انك انت الله لاالله الاانت وحد لاشريك لك ولاعديل ولاخلف لقولك ولا تبديل وان محمدا\”ص\”ادى ما حملته الي العباد وجاهد في الله حق الجهاد وانه بشر بما هو حق من الثواب وانذر بما هو صدق من العقاب،اللهم ثبتني على دينك ما احييتني ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك انت الوهاب،صل على محمد وآل محمد واجعلنا من اتباعه وشيعته واحشرنا في زمرته،ووفقنا لاداء فرض الجمعات وما اوجبت علينا فيها من الطاعات وقسمت لاهلها من العطاء في يوم الجزاء،انك انت العزيز الحكيم،وصلي ياربنا على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين….

عباد الله.. اوصيكم ونفسي بتقوى الله..
واعلموا ان بداية التقوى معرفة النفس، ومنتهى التقوى معرفة الله سبحانه وتعالى.
وقد قال النبي (ص) في حديث مشهور لدى كافة طوائف المسلمين:\”من عرف نفسه، فقد عرف ربه\”
وقد نقل العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي في البحار حديثا شريفا عن \”غوالي اللئالي\”.
\” ان رجلا دخل على رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله، كيف الطريق الى معرفة الحق؟ فقال : \”معرفة النفس\”\”.
وورد عن علي (ع) في غرر الحكم، قال: \” من عرف نفسه، فقد انتهى الى غاية كل معرفة وعلم\”.
من هنا ايها الاحبة، تكمن اهمية معرفة النفس، وتسليط الاضواء على هذا الكيان الداخلي، عند كل واحد منا، والذي يمثل في ذات اللحظة اصدق الاصدقاء، واعدى الاعداء.
عن النبي (ص):\”أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك\”
فما هي النفس؟!
في الخطبة الماضية تعرضت لتعريف النفس في اللغة والعلم، وتوقفت عند تعريف النفس في القران الكريم، وقد ذكرت اننا بحاجة الى معرفة ثلاثة امور للتوصل لمعرفة دقيقة بالنفس
1- الجسد 2- الروح 3- النفس
فما النفس الا نتاج تولد عن تفاعل بين الروح والجسد. لكن النفس والروح تبقيان خلال زمان اليقظة مستقرتان في الجسد، متصلتان عن بعد في حالة النوم، متلازمتان عند الله سبحانه وتعالى بعد الموت.
هذا ما يتضح لنا من خلال اي الذكر الحكيم، ومحاولة تامل عميق في اقوال المفسرين.
بداية لابد من القول ان في القران الكريم مئتين وثمانية وتسعين كلمة جذرها نفس، وهنالك سبع مرات ذكرت فيها كلمة النفس.

1- \” وكتبنا فيها ان النفس بالنفس\” المائدة/45. وهذه من ايات الاحكام.

2-\” ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق\” الانعام/151.

3- \” وما ابريء نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي\” يوسف/53.

4- \”ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق\” الاسراء/33.

5- \”ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق\” الفرقان/68.

6- \” ونهى النفس عن الهوى\” النازعات/40.

7- \”يا ايتها النفس المطمئنة\” الفجر/27.

ولربما توحي الايات المباركات ان النفس هنا تعبرعن الذات. وهي ما تمثل الشخصية الانسانية كلها، وهي ما دعى بعض المفسرين للقول ان النفس هي الانسان.
قال صاحب مجمع البيان في تفسير الاية التاسعة من سورة البقرة،\”يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون الا انفسهم\”…
قال:\” والنفس في الكلام على ثلاثة اوجه، النفس بمعنى الروح، والنفس بمعنى التاكيد تقول جاءني زيد نفسه، والنفس بمعنى الذات وهو الاصل، ويقال النفس غير الروح ويقال هما اسمان بمعنى واحد\”.
وفي جوامع الجامع قال في تفسير الاية التاسعة من سورة البقرة،\”والنفس ذات الشيء وحقيقته، ثم قيل للقلب: نفس لان به نفس، وقيل ايضا للروح نفس، وللدم نفس لان قوامها به، وللماء نفس لفرط حاجتها اليه.. والمراد بالانفس هنا ذواتهم ويجوز ان يراد قلوبهم ودواعيهم واراؤهم.\”
والحق ان النفس هي حالة ثالثة من تفاعل الروح والجسد، وهذه الحالة هي التي تمثل ذات الانسان وشخصيته، وذلك لانها تمثل مركز القرار في هذا الكيان الانساني، وحين يطلق معنى اخر على النفس فانما يطلق تجوزا وليس اصالة، لذلك قال صاحب مجمع البيان:\”والنفس بمعنى الذات وهو الاصل\”.
ولعل اهم نقطة يتوجب علينا التوقف عندها، هو التفريق بين الروح والنفس في شخصية الانسان، وكذلك آليات تغذية البعد الروحي والبعد النفسي. وعدم الخلط بينهما.
وهنا نقاط بهذا الصدد.

1- يقول الامام الشيرازي\”قد\” في \”الفقه العقائد.. ص53\”: ثم ان الظاهر ان الروح غير النفس، كما انها غير العقل، فالروح الة الحياة، اما النفس فشيء داخل الانسان يامر الانسان بالحسن والقبيح.
وكلما جاء ذكر الروح في القران الكريم مدحه الله تبارك وتعالى، ولكن عند ذكر النفس جعله بين المدح والذم، كقوله تعالى\” ونفس ماسواها فالهمها فجورها وتقواها\”

2- في التفريق بين الروح والنفس والجسد، نقف عند الاية الثانية والاربعين من سورة الزمر:\”الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجل مسمى ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون\”.
ان التوفي يعني قبض الشيء بتمامه، وحسب تعبير المفسرين \” قبض الشيء على الايفاء والاتمام\” وهذا القبض يقع على النفس، حسب الاية المباركة في حالتين:
1- الموت
2- النوم
والاية المباركة تؤكد القبض للنفس حين النوم \”الانفس والنفوس جمع نفس\” وما هو واضح لنا جميعا ان الجسد غير مقبوض فنحن نراه ونلمسه، وكذلك الروح غير مقبوض لاننا ندرك أثاره في الجسد من خلال الحيوية التي تدب في اوصاله.
وهذا يعني ان النفس شيء ثالث ليس هو الجسد ولا الروح، بل هو نتاج تفاعلهما. وهذه النفس هي التي تمثل الذات اي الشخصية الكاملة للانسان. وهذا ما يؤكد ايضا ان النفس ليس مجموع الروح الجسد، بل هو نتاج تفاعلهما الاولي حين ولوج الروح في الجسد.
يقول صاحب مجمع البيان وهو في صدد ايضاح الفرق بين قبض النفس اثناء النوم والموت يقول: \”الفرق بين قبض النوم وقبض الموت ان قبض النوم يضاد اليقضة، وقبض الموت يضاد الحياة، وقبض النوم يكون الروح معه في البدن وقبض الموت يخرج الروح معه من البدن\”
وما يمكن لنا فهمه من خلال هذا التفريق، ان الروح والنفس يكونان في حالة اتحاد تام اثناء اليقظة، اما في حالة النوم فان هنالك اتصالا عن بعد بين الروح والنفس، وفي حالة الموت يعود الاتحاد من جديد بين النفس والروح، هذا ما تشير له الرواية عن ابي جعفر (ع)، ذكرها صاحب الميزان:\” قال ما من احد ينام الا عرجت نفسه الى السماء وبقيت روحه في بدنه وصار بينهما سبب كشعاع الشمس، فان اذن الله في قبض الارواح اجابت الروح النفس، واذا اذن الله في رد الروح اجابت النفس الروح وهو قوله سبحانه وتعالى: الله يتوفى الانفس..الآية\”
اقول: لعل الاتحاد التام بين الروح والجسد اثناء اليقظة، هو ما جعل هنالك خلطا بينهما سواء في المعنى اللغوي او العلمي او حتى احيانا في فهم الايات الكريمة والاحاديث والروايات الشريفة.
وقد نقل المفسرون للاية المباركة انفة الذكر قولا عن ابن العباس، قال: \” في بني ادم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس التي بها العقل والتمييز والروح التي بها النفس والتحرك، فاذا نام قبض الله نفسه ولم يقبض روحه واذا مات قبض الله نفسه وروحه\”.

3- لعل فيما يطلق عليه الموت السريري دلالة اخرى على استقلال النفس، والتفريق بينها وبين الروح، فالروح في الموت السريري لا يزال باقيا في الجسد، فالمصاب يتنفسو دقات القلب لربما تنبض، لكن الانسان يبقى فترة طويلة غير قادر على الاحساس والادراك، التي هي وظيفة النفس، ومن خلال متابعة الموت السريري وجد ان البعض يبقون في هذه الحالة مدة طويلة تتجاوز ستة اشهر.
ان هذا التفريق ضروري لمعرفة وظائف النفس التي سنأت عليها في خطب قادمة ان شاء الله.ثم بعد ذلك للتعرف على آليات تزكية النفس،والتفريق بينها وآليات تقوية الروح.

اللهم وفقنا لمعرفة انفسنا،و اعنا على اصلاحها، بما اعنت به الصالحين على انفسهم…
بسم الله الرحمن الرحيم
\”والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر\”

الخطبة الثانية: ثواب الحج

الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمدا كثيرا واعوذ به من شر نفسي ان النفس لامارة بالسؤ الامارحم ربي،واعوذ به من شر الشيطان الذي يزيدني ذنبا الى ذنبي..
اللهم صلي على نبيك وحبيبك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين،وصلي ياربنا على علي امير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وصلي على الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وصلي على سبطي الرحمة وامامي الهدى الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة وصلي على ائمة المسلمين وهداة المؤمنين علي ابن الحسين زين العابدين ومحمد الباقر جعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي ابن موسى الرضا وحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والخلف الحجة القائم المهدي.
اعزي اخواني المؤمنين في هذا اليوم ذكرى وفاة الامام الصادق عليه افضل الصلاة وازكى السلام و احبت ان اذكركم في هذه الخطبة، ضرورة المبادرة للحج للذين لم يحجوا من قبل حجة الاسلام، فهذه الحجة سمة يتميز بها المسلم عن سواه من اتباع الديانات السماوية. كما ارغب تشويق اخواني المؤمنين لقصد البيت العتيق بما حرض به النبي (ص) والائمة الاطهار المسلمين من قبل ، من خلال نقل احاديث وروايات عن الحج، سيما ونحن على ابواب هذا الموسم الرباني، الذي يطهر قلوبنا مما علق بها من رين المادة في مناخ هذه البلدان الغربية الغارقة في المادة، ونعمق البعد الروحي عندنا عبر عبادة ابراهيمية اصيلة.
فقد ورد عن النبي (ص) انه قال لعلي (ع): \”يا علي من سوف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا او نصرانيا\”
وقد ورد في الرواية الشريفة عن ابي عبد الله الصادق (ع) قال: \”من مات ولم يحج حجة الاسلام ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، او مرض لا يطيق الحج من اجله، او سلطان يمنعه فليمت ان شاء يهوديا وان شاء نصرانيا\”.
وفي ثواب الحج انقل لكم هذه الروايات الشريفة:

1- عن محمد بن القيس قال: سمعت ابا جعفر(ع) يقول وهو يحدث الناس بمكة فقال: ان رجلا من الانصار جاء الى النبي (ص) يساله فقال له رسول الله(ص): ان شئت فسل وان شئت اخبرتك عما جئت تسالني عنه؟ فقال: اخبرني يا رسول الله فقال: جئت تسالني مالك في حجك وعمرتك فان لك اذا توجهت الى سبيل الحج ثم ركبت راحلتك، ثم قلت بسم الله، والحمد لله، ثم مضت راحلتك، لم تضع خفا، ولم نرفع خفا الا كتب لك حسنة، ومحي عنك سيئة، فاذا احرمت ولبيت كان لك بكل تلبية لبيتها عشر حسنات ومحي عنك عشر سيئات، فاذا طفت بالبيت الحرام اسبوعا كان لك بذلك عند الله عهد وذخر يستحي ان يعذبك بعده ابدا، فاذا سعيت بين الصفا والمروة كان لك مثل اجر من حج ماشيا من بلاده ومثل اجر من اعتق سبعين رقبة مؤمنة، فاذا وقفت بعرفات الى غروب الشمس فان كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج، أو بعدد نجوم السماء او قطر المطر لغفرها الله لك، فاذا رميت الجمار كان لك بكل حصاة عشر حسنات تكتب لك فيما يستقبل من عمرك فاذا حلقت راسك كان لك بعدد كل شعرة حسنة تكتب لك فيما يستقبل من عمرك فاذا ذبحت هديك او نحرت بدنتك كان لك بكل قطرة من دمها حسنة تكتب لك فيما يستقبل من عمرك، فاذا زرت البيت وطفت به اسبوعا، اي سبعة اشواط، وصليت الركعتين خلف المقام ضرب ملك على كتفيك ثم قال لك: قد غفر الله لك ما مضى وفيما يستقبل ما بينك وبين مائة وعشرين يوما.

2- وعن ابي عبد الله الصادق (ع) قال: ان رسول الله (ص) لقيه اعرابي فقال له: يا رسول الله اني خرجت اريد الحج ففاتني(وفي نسخة فعاقني عائق) وانا رجل مميل (وفي نسخة مليء) فمرني ان اصنع في مالي ما ابلغ به مثل اجر الحاج قال: فالتفت اليه الرسول (ص) فقال له: انظر الى ابي قبيس وهو جبل كبير معروف، فلو ان ابا قبيس لك ذهبة حمراء انفقته في سبيل الله ما بلغت به ما يبلغ الحاج، ثم قال: ان الحاج اذا اخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه الا كتب الله له عشر حسنات، ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات، فاذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه الا كتب الله له مثل ذلك، فاذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه، فاذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه، فاذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فاذا رمى الجمار خرج من ذنوبه، قال: فعدد رسول الله (ص) كذا وكذا موقفا اذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه، ثم قال: انى لك ان تبلغ ما يبلغ الحاج قال ابو عبد الله (ع): ولا تكتب عليه الذنوب اربعة اشهر وتكتب له الحسنات الا ان ياتي بكبيرة.

3- عن ابي عبد الله الصادق (ع) قال: الحاج يصدرون على ثلاثة اصناف فصنف يعتقون من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته امه، وصنف يحفظ في اهله وماله، فذلك ادنى ما يرجع به الحاج.

4- عن امير المؤمنين (ع) ان رسول الله (ص) قال: \”من اراد دنيا وآخرة فليؤم هذا البيت، ما اتاه عبد فساله الله دنيا الا اعطاه منها او ساله آخرة الا ادخر له منها، ايها الناس عليكم بالحج والعمرة فتابعوا بينهما فانهما يغسلان الذنوب كما يغسل الماء الدرن وينفيان الفقركما تنفي النار خبث الحديد.
اللهم وفقنا لحج بيتك الحرام في عامنا هذا وفي كل عام واغفرلنا تلك الذنوب العظام فانه لايغفرها غيرك يارحمن ياعلام.

بسم الله الرحمن الرحيم
\”قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤ احد\”
صدق الله العلي العظيم،والصلاة والسلام على خير خلقه اجمعين محمد وعلى آل بيته الطيبن الطاهرين.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه اجمعين محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *