خطبة الجمعة ليوم 17/03/2000


الخطبة الأولى
اثر الأفراح والأحزان والانفعال على التقوى

الخطبة الثانية
الدور الاجتماعي لصلاة الجمعة

‘,’

الخطبة الأولى: اثر الأفراح والأحزان والانفعال على التقوى

عباد الله..أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
وان من التقوى ثبات المؤمن على الالتزام بحكم الله سبحانه وتعالى، سواء اتفق ذلك مع رغبته وقبوله النفسي أم خالفه، وان يكون هذا الثبات مستمرا رغم تغير المواقف والظروف.
فالمؤمن الحق، والمتقي الملتزم هو من:
\”لا يدخله حزنه إذا حزن في معصية الله، ولا يخرجه سروره إذا فرح عن طاعة الله، ولايجره غضبه إذا غضب للتجرؤ على حدود الله.\”
ذلك لان الظروف والأزمنة التي يمر بها الإنسان متغيرة متقلبة، وكثير من الناس يؤخذون بالمظاهر الاحتفالية والإثارات، مما يخلق بداخلهم رغبات قد تتجاوز حدود الشريعة التي أرادها الله سبحانه وتعالى لعباده، وان المؤمن الحق هو من لا يدع رغبته هذه التي وفرتها بداخله الأجواء المحيطة والتظاهرات الاحتفالية، أن تذهب به بعيدا عن حدود الالتزام.
وفيما يلي ابرز التغيرات في الأجواء المحيطة بالمؤمن التي يمكن لها أن تؤثر على التقوى بداخله:

1/قد يفقد الإنسان عزيزا عليه، ولفرط الحزن الذي يقع على قلبه قد يأتي بعمل أو يتفوه بقول مخالف لشرع الله سبحانه وتعالى واحكامه، كان يحتج على قضاء الله وقدره ويتلفظ بأقوال اعتراضيه على القضاء الذي فرضه سبحانه. فقد يقول \”لماذا اخذ الله هذا العزيز مني\” ويبالغ البعض حين يعتبرون ذلك خلاف العدالة والحكمة.
ولربما كانت المرأة اكثر تأثر بأجواء الحزن والوقوع في خارج دائرة الالتزام بحدود الشريعة الغراء، لما يدفعها لذلك عاطفتها المفرطة، من هنا يلزم تذكير المرأة بصورة دائمة، بضرورة التقيد بما فرض الله سبحانه وتعالى.
وفي هذا السياق ذّكر سيد الشهداء، الإمام الحسين بن علي بن أبى طالب(ع) أخته زينب بضرورة التقيد بحدود الشريعة، حين قرر النزول الى الميدان ورأى على محياها اثر التفجع بعد فقدان أبنائها وإخوانها، وهذا هو عماد قومها وإمام عصرها ومن بقى معها من أهلها، تراه هو الآخر يمشي برجليه إلى الموت الذي لابد منه.
قال لها – وهي ابنة الإمام علي(ع)- \”أخيه تعزي بعزاء الله ولا يذهبن بحلمك الشيطان، واعلمي إن أهل الأرض يموتون وان أهل السماء لا يبقون، ولي ولكل مؤمن في رسول الله(ص) أسوة حسنة.
اخية: لاتشقي علي جيبا ولاتخمشي علي وجها ولاتشمتي فينا الاعداء.\”
وقد تخرج المرأة أيضا عن حدود الالتزام حين لاترى الحكم الشرعي ينسجم ورغبتها، وهذا ما وجدته في عدة قضايا عالجتها في مسألة الاختلافات الأسرية. ولا أتذكر أن رجلا ذكرت له أن الحكم الشرعي ليس في صالحك فرد باعتراض على المشرع سبحانه وتعالى، لكن نساء عدة حين تبين لهن أن الحكم الشرعي ليس كما كن يرغبن، تلفظن بأقوال صريحة ترفض الحكم الشرعي، وتعتبره خلاف العدالة والحكمة، مع أن بعضهن لم يصرفن عاما واحدا في مطالعة جادة، فضلا عن عدم تخصصهن في أي مجال من الدراسات المعمقة، لكنهن يتحولن فجأة ومن دون دراسة أو وحي إلى مشرعات يعرفن مواقع العدل والحكمة. وهذا ليس بالأمر المستغرب في كائن عاطفته تدربت منذ نعومة الأظفار على التحكم في قرارات الذات.

مثال:جاء رجل وزوجته إلى معالجة قضيتهم في الطلاق، وكان بينهم أطفال وذكرت لهم الحكم الشرعي في الأطفال، الولد فوق سنتين لأبيه والبنت فوق سبع لأبيها، فاعترضت المرأة لان الأطفال فوق هذا السن، لكني استدركت وقلت لها أن للأب الحق أن يتنازل عن حقه لصالح ألام. فوافق الرجل على ذلك وخرجت المرأة مسرورة تمدح الشرع بالإنصاف ومراعاة حقوق ألام المسكينة.

لكن بعد اقل من شهر اتصل بي الرجل وقال إنني أريد أن أنسحب من هذا العهد بإعطائها الأطفال. لأنه تبين لي أن في الموضوع علاقة برجل آخر وماتم الطلاق ألا بمواعدته إياها بالزواج منها، وأنا خائف على أطفالي. فذكرت له أن من حقك ذلك ومن حقك مراجعتها قبل انقضاء العدة.
حين راجعها زوجها من اجل أن يسترد حقه في أطفاله، اتصلت بي المرأة وقالت لي أني لا اعترف بهذا الشرع واضرب به عرض الجدار. أني سأتزوج رغم انف الشرع.
قلت لها :اتق الله.

2/ وقد يخرج الإنسان من حدود الشرع حين الأفراح سواء في الأعياد والاحتفالات أو الأفراح في الزواج وغيره، ومن الغريب أن الأعياد في الإسلام إنما هي لشكر الله سبحانه وتعالى على التوفيق لعبادته وطاعته. لكنا نجد بعض الناس يتخذون من هذه المناسبات فرصة لاطلاق الشهوات التي لم يتسنى لها الخروج في الأوقات العادية، وكأن الأعياد ومناسبات الأفراح محطة للانفتاح على المحرمات.
إن امتحان التقوى أيها الأحبة.. قد لا يرى في الأوقات العادية، لكنه بالتأكيد يكون في ظروف التغيرات.
وقد يخرج المرء من الشرع حين الانتقال الى مجتمع لا يلتزم بالإسلام في صبغته العامة كما هو الحال في البلدان الإسلامية، ويعتبر نفسه في حل من الشرع، لان العرف العام في البلد الذي انتقل إليه لا يضغط عليه باتجاه الالتزام الظاهري. كالذي يأتي لاجئا الى الدنمرك، فيعتبر نفسه في فرصة للخوض في أي محرم والارتماء في أحضان أية رذيلة.

3/ وقد يخرج الإنسان من حدود الشرع أيضا حين توجه إليه إثارة تستفز غضبه، فقد يطلق التصريحات أو يقوم بأفعال لا يجوز له القيام بها.
أتذكر أن أحد المؤمنين راجعني في دين له على شخص، وفي إثناء تداولنا لموضوعه وكيف يستطيع استرداد حقه، وكلما ذكرت له شيئا قال جربته معه، انفعل فجأة وقال: ألا تعطيني فتوى بان اصدمه بسيارتي واتركه معوقا طيلة حياته .
..لا يصح ذلك أبدا..
وكم من رجل هدد زوجته بالقتل أو العكس.. اللهم اغفر لنا، وتجاوز عنا.

الخطبة الثانية: الدور الاجتماعي لصلاة الجمعة

\”يا أيها الذين أمنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون\”
لاشك أن الاسلام أعطى صلاة الجمعة اهتماما خاصا، ويكفي في ذلك تخصيص سورة كاملة تكشف عن أهمية هذه الصلاة، واعتبرها أهم حتى من السعي لكسب الرزق. الذي عده النبي(ص) بمثابة الجهاد في سبيل الله.
بل اعتبر الاسلام صلاة الجمعة حجا مصغرا يتكرر في كل أسبوع.
فقد ورد في الخبر :
\” جاء اعرابي الى النبي (ص) يقال له قليب، فقال له أني تهيأت للحج كذا مرة فما قدر لي، فقال الرسول (ص): عليك ياقليب بالجمعة فإنها حج المساكين .
وحين اعتبر الاسلام صلاة الجمعة فريضة أسبوعية على المسلمين، أراد استثمار البعد الاجتماعي في شخصية الإنسان المسلم فالإنسان كائن اجتماعي. وبدل أن تأتي اجتماعاته تحت عناوين غير جادة بل وباطلة في بعض صورها أراد لها أن تكون ضمن محور عبادي يتوجه فيه الجميع نحو طاعة الله سبحانه وتعالى. ويتواصون فيه بالحق ويتواصون بالصير.
ورغم تحفظ فقهائنا في فترات تاريخية ماضية على إقامة صلاة الجمعة بسبب الاستغلال السياسي من قبل السلطات الظالمة عبر التاريخ، وعدم وجود الإمام المعصوم الذي يعطي الخطوط العريضة لمنحى التوجيه الاجتماعي في خطاب الجمعة، إلا أنهم يقولون أن صلاة الجمعة واجب تخييري، بمعنى ان يكون المسلم مخيرا في ظهر الجمعة بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر.
ولاشك ان اختيار صلاة الجمعة على صلاة الظهر،أولى لنا ونحن نعيش في بيئة نحتاج فيها الى اغتنام أي فرصة لتعميق علاقتنا بالله سبحانه وتعالى، وتركيز ثقافتنا الدينية، سيما ونحن نعيش بعيدا عن الضغوطات التي تفرض علينا نمطا خاصا من الخطاب الديني، والحمد لله.
وقد كانت هنالك تجارب إقامة صلاة الجمعة في بلدان إسلامية وتحت ظروف قاسية لكنها أتت بناتج طيبة كما مع الشهيد الصدر الثاني رضوان الله عليه.
وان الميزة الخاصة التي تتميز بها صلاة الجمعة، تجعلنا نميل للتأكيد على ضرورة اختيار صلاة الجمعة بدل صلاة الظهر لما تمثلة هذه الصلاة من ضرورة اجتماعية لنا معاشر المسلمين المتواجدين في الغرب.
وهنا مجموعة نقاط أود طرحها على الاخوة المؤمنين بخصوص هذه الشعيرة العبا دية.

1/يفترض في هذه العبادة أن تعكس الثقل الإيماني في المجتمع. فيؤمها كافة المؤمنين بمختلف شرائحهم بعد أن يبادر مجموعة من المؤمنين لاقامتها، وقد بادرنا بعد استجازة العلماء في أقامتها قبل أكثر من عشر سنين. وقد حرضونا على ذلك.
وان ماهومطلوب منا كمؤمنين أن ندعو كافة إخواننا المؤمنين للمشاركة في هذه الصلاة. لتعكس روح الثقل الإيماني في هذا المجتمع.
نعم..من زمن بعيد كانت لدينا مشكلة في سعة المكان، لكن الذي يدفع للتفكير في مكان أكبر هو وجود الحاجة الفعلية لذلك، أي كثافة الحضور مما يوحي أن المكان الذي يستخدم بشكل أسبوعي لهذه المناسبة الدينية لم يعد كافيا، وهذا ما سيدفع المؤمنين للتفكير في مكان أكبر.

2/وان صلاة الجمعة عبادة ذات صفة اجتماعية، أي يفترض فيها أن تتفاعل مع المتطلبات الاجتماعية، وهذا يعني ان خطاب الجمعة يفترض فيه أن يعالج المشاكل الاجتماعية والسياسية بل والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع.
وهذا الأمر يوجب علينا أيها الأحبة أن نتداول ما ينبغي أن يعرض في هذه الصلاة من خطاب، وأن نسمع الإمام المواضيع التي ينبغي له أن يوليها اهتماما.
ولا ينبغي أن نفترض مسبقا أن هذا الإمام لوحده قادر على قراءة الحاجة الاجتماعية. بل علينا أن نلفت نظره الى ما يعانيه المجتمع من مشاكل بحاجة الى علاج.

3/لأننا بالفعل نعاني في هذا البلد من مشكله أن نجد مكانا واسعا يتسع لعدد كبير من المصلين، ويكون جامعا لنا جميعا، فان ما يفترض فينا القيام به هو جعل إمامة هذه الصلاة متداولة بين الاخوة الأفاضل والعلماء من السادة والمشايخ في هذا البلد.

وهذا يعكس من ناحية الروح الواحدة لدينا كمسلمين أقلية في هذا البلد، ويعني من ناحية أخرى تعددية في التوجيه يسمح لنا بالانفتاح على ألوان من التوجيه الديني والمعالجات لما نواجهه من مشاكل ضمن المحور الإيماني الواحد.

وما أرجوه من الأخوة المؤمنين أن يتفهموا دافع تداول الإمامة لهذه الصلاة. أني بحق لأرغب أن يتداول إمامة هذه الصلاة، الجيل الشاب من المحصلين للعلوم الشرعية الأكثر احتكاكا بهذا المجتمع.
من هنا اطلب من الأخوة المؤمنين أن يقللوا من تحفظاتهم على من يؤمنا لهذه الصلاة.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولإخواننا الذين سبقونا بالأيمان.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *