خطبة الجمعة ليوم 19/05/2000


الخطبة الأولى
دعائم الإيمان

الخطبة الثانية
مشاكل في طريق الأسر

‘,’

الخطبة الأولى: دعائم الإيمان

عباد الله .. أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه وتعالى واعلموا ان تقوى الله لا تتعمق في القلوب، إلا في بيت مكين ، وصرح أمين ، وبناء متين ، وذلك البناء والصرح والبيت هو الإيمان.
فمن كان الإيمان بداخله مكينا ، كانت التقوى بأعماقه راسخة. فتعالوا نتعاون على أنفسنا لتشييد صرح الإيمان بداخلنا . وقد سبق القول في خطبة ماضية ، ان بناء الإيمان بالقلب بحاجة الى تخطيط واضح وخارطة جلية وهذا ما نجده لدى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبى طالب عليه السلام حينما يضع بين أيدينا تخطيطا دقيقا للإيمان في كلمة عصماء له في نهج البلاغة فقد قال عليه السلام.
\”الإيمان على أربع دعائم . على الصبر واليقين والعدل والجهاد\”
ثم فصل صلوات الله وسلامه عليه الشعب التي تقوم عليه كل دعامة من هذه الدعائم .
وحسب العلامة السيد هادي المدرسي ـ حفظه الله ـ فان الإمام \”ع\” حين تحدث عن الإيمان في هذه الكلمة فانه \” ذكر أمورا ترتبط بالنفس ولم يذكر الممارسات العبا دية التي يقوم بها الإنسان ، لان الأصل والأساس في الإيمان ، هوما يستقر في نفس الإنسان ومن هنا فان التفاوت في درجات الإيمان من فرد أخر ، يرجع في الواقع لقوة أو ضعف المرتكزات الإيمانية في نفوسهم .
فالذي صبره أطول سيكون إيمانه أقوى والذي يقينه اشد سيكون إيمانه أقوى ، والذي عدله أوسع سيكون إيمانه أقوي ، والذي جهاده اكثر سيكون إيمانه أقوى . وكل هذه المرتكزات والدعائم التي ذكرها الإمام أمير المؤمنين \”ع\”أمور كسبية ممكن تحصيلها بالكسب والممارسة وليست حالات ذاتية، كما يمكن تقويتها بالنفس عبر التدرب والتمرين على ممارسة شعبها\”
فتعالوا أيها الأحبة المؤمنون نتعرف أولا على الدعائم الأربعة للإيمان كما ذكر أمير المؤمنين ثم بعد ذلك فالنقم بعملية تقويمية لهذه الدعائم بداخلنا بغية السعي لتطويرها وتقويتها .
فما هو الصبر وما هو اليقين وما هو العدل وما هو الجهاد ، كبناءات داخلية بشخصية الإنسان ؟!وما هي الأبعاد النفسية التي تعالجها هذه الدعائم بالنسبة لشخصية الإنسان بشكل عام؟!
أولا :الصبر .
حسب لسان العرب للمعنى اللغوي للصبر قال :\”اصل الصبر الحبس وكل من حبس شيئا فقد صبره ، والصبر نقيض الجزع صبر يصبر صبرا ، فهو صابر وصبار وصبير وصبور. ونقل عن الجوهري قوله : الصبر حبس النفس عند الجزع ، وقد صبر فلان عند المصيبة يصبر صبرا ، والتصبر تكلف الصبر .\”
ونقل العلامة المدرسي عن تعريف المحقق الطوسي(قدس سره)للصبر قوله:
\”الصبر هو حبس النفس عن الجزع عند المكروه فهو يقي الإنسان عن الاضطراب ، واللسان عن الشكاية والأعضاء عن الحركات غير المعتادة.\” (يراجع البصائر العدد الرابع).
ان القيمة النفسية بالنسبة للصبر في عملية بناء صرح الإيمان بالذات تكمن في كون الإيمان بحاجة الى ممارسات عملية ـ عمل بالأركان كما يقول النبي \”ص\” ـ والتزام بمعرفة عقيدية تخضع فيها الجوارح والأعضاء لهذه المعرفة . وكل ذلك لايتم إلا عبر حبس النفس عليها وعدم السماح لها بالخروج عن حدود الالتزام وهذا هو الصبر بالنسبة للنفس.
ألم يقل الإمام علي \”ع\”:\” اذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور.\”(الوسائل)وهو يكشف سلام الله عليه عن الحاجة للصبر ليس بالنسبة للإيمان فقط وانما بالنسبة لأي بعد عملي في حياة الإنسان.
فأي مشروع تنوي القيام به بحاجة الى صبر ومالم تصبر فان هذا المشروع يفشل من الأساس .فالصبر إذن يعالج عندنا الحالة النفسية المطلوبة عند القيام بأي عمل . كما انه يواجه أي إثارة جديدة تتصوب نحو الذات . سواء كانت هذه الإثارة سارة أم ضارة .
في الحديث عن النبي (ص):\”الصبر ثلاث : صبر عند المصيبة وصبر عند الطاعة وصبر عن المصيبة \”(الوسائل)
ثانيا:اليقين.حسب لسان العرب:\” اليقين العلم وإزاحة الشك وتحقيق الأمر وقد أيقن يوقن إيقانا فهو موقن.واليقين نقيض الشك ، والعلم نقيض الجهل.\”
ألم يقل الإمام علي (ع):\”الإيمان معرفة بالقلب.\”
والمعرفة بالقلب هي المعرفة التي تجاوزت العقل وانتقلت الى منطقه يصعب فيها على الإنسان الانفكاك من تأثيراتها.
في حديث مرفوع عن النبي (ص):\”سأل جبرائيل ما تفسير اليقين قال المؤمن يعمل لله كأنه يراه فان لم يكن يرى الله فان الله يراه وان يعلم يقينا ان ما أصابه لم يكن ليخطئه وما اخطاه لم يكن ليصيبه. \”(الوسائل)
ويعرف علي (ع)اليقين بالتصديق فيقول:\”اليقين هو التصديق\”.
وعن الباقر \”ع\”حين سأله الراوي :قلت فأي شيء اليقين ؟قال : \”التوكل على الله والتسليم لله والرضا بقضاء الله والتفويض الى الله \”
والحق ان المؤمن حين يصل الى أقصى مراتب اليقين ، يرى العالم بطريقة مختلفة عن الرؤية العادية ويكون شوقه للآخره اكبر من رغبته في البقاء في الدنيا.
وعن إسحاق بن عمار قال :سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :\”ان رسول الله \”ص\”صلى بالناس الصبح فنظر الى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفرا لونه قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه فقال له رسول الله \”ص\”كيف أصبحت يافلان قال أصبحت يا رسول الله موقنا فعجب رسول الله من قوله وقال له : ان لكل يقين حقيقة فما حقيقية يقينك ؟ فقال ان يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني واسهر ليلي واظما هواجرى فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأني انظر الى عرش ربي وقد نصب للحساب وحشر الخلايق لذلك وأنا فيهم وكأني انظر الى أهل الجنة يتنعمون في الجنة ويتعارفون على الأرائك متكئون وكأني انظر الى أهل النار وهم فيها معذبون مصطرخون وكأني الآن اسمع زفير النار يدور في مسامعي فقال رسول الله \”ص\”هذا عبد نور الله قلبه بالإيمان ثم قال له الزم ما أنت عليه فقال الشاب ادع الله لي يا رسول ان ارزق الشهادة معك فدعا له رسول الله \”ص\”فلم يلبث ان خرج في بعض غزوات النبي \”ص\”فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر.\”(الأمثل)
والحق ان اليقين ثلاث مراتب.
1/علم اليقين وهو الذي يحصل للإنسان عند مشاهدته الدلائل المختلفة كان يشاهد دخانا فيعلم علم اليقين ان هناك نارا.
2/عين اليقين وهو يحصل حين يصل الإنسان الى درجة المشاهدة كان يرى بعينه مثلا النار.
3/حق اليقين وهو كان يدخل الإنسان النار بنفسه ويحس بحرقتها ويتصف بصفاتها وهذه أعلى مراحل اليقين. يقول المحقق الطوسي : اليقين اعتقاد جازم مطابق ثابت لايمكن زواله وهو في الحقيقة مؤلف من علمين العلم بالمعلوم والعلم بان خلاف ذلك العلم محال.
وقد ذكر عند النبي (ص):\” ان بعض أصحاب عيسى عليه السلام كان يمشي على الماء فقال(ص) لوكان يقينه اشد من ذلك لمشى على الهواء.\”(الأمثل)
وكما يعالج الصبر البعد العملي في حياة الإنسان فان اليقين يعالج بعد الاعتقاد بالمبادئ والأفكار \”أي التصديق بالمعرفة\”
أتحدث ان شاء الله عن العدل والجهاد في خطبة قادمة لتكتمل الصورة بالنسبة لدعائم الإيمان ثم بعد ذلك نبحث عن طرق ترسيخها بداخلنا .

الخطبة الثانية: مشاكل في طريق الأسر

ورد في الحديث النبوي الشريف:\”من سنتي التزويج فمن رغب عن سنتي فليس مني\”
وعن الصادق عن أمير المؤمنين \”ع\”قال \”تزوجوا فان رسول الله\”ص\”قال :من احب ان يتبع سنتي فان من سنتي التزويج\”
وفي النبوي \”ما نبي بناء احب الى الله تعالى من التزويج\”
وقال \”ما يمنع المؤمن ان يتخذ أهلا لعل الله ان يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا اله إلا الله\”
\”من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي\”
وقد ورد في الترغيب في السعي لتزويج الآخرين :
عن أمير المؤمنين \”ع\” افضل الشفاعات ان تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله بينهما\”
وعن الإمام الكاظم قوله\”ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله : رجل زوج أخاه المسلم أو خدمه أو كتم له سرا\”
وعن الذي يسعى في تزوجي أخيه المسلم يقول النبي \”ص\” كان له بكل خطوة خطاها أو بكل كلمة تكلم بها في ذلك عمل سنة قيام ليلها وصيام نهارها\” .
ينظر الاسلام الى الأسرة باعتبارها مؤسسة تربوية تعهد بتنشاة الأجيال القادمة بكل جدية واخلاص غير ان لدينا كاسر تعيش في الغرب جملة مشاكل تتصل بالدور التربوي للأسرة.منها:
1/ضعف الوعي التربوي لدى الأبوين.
كم يصرف الإنسان من العمر لتعلم لغة او حتى معرفة جهاز فكم يصرف الاباء على وعي كيفية تربية ابنائهم ؟!
وهل نعرف المراحل التربوية.
2/تأثر الجيل الناشىء بالثقافة السائدة في الغرب والتي لاتعطي الاسرة أي اعتبار مما يدفعهم للتمرد على الاسرة .
3/تأثر الاسرة بالتفكك الاسري.
4/الجهل بالتغيرات التي يتعرض لها النشىء في مختلف مراحل العمر والضغوطات التي تواجههم لسبب.
المطلوب:
1/ ان يعمق الوالدين من وعيهما التربوي
2/ان يتفهم الابناء قيمة الاسرة في الحماية النفسية المستقبلية
3/السعي لبناء المؤسسات التربوية الصناعية التي تدعم دور الاسرة .مثل النادي،الدرسة،المؤسسة الدينية،سيما ونحن على ابواب الصيف.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *