خطبة الجمعة ليوم 24/03/2000


الخطبة الاولى
تركيز الخوف من الله

الخطبة الثانية
عيد الغدير

‘,’

الخطبة الاولى: تركيز الخوف من الله

عباد الله اتقوا الله.
ان مما يؤدي لتنمية التقوى بالقلب، ويعمق العلاقة بالله سبحانه وتعالى. تركيز الخوف من الله سبحانه وتعالى.
ذلك لأن الخوف من المكونات النفسية لشخصية الإنسان. وهذا المكون النفسي قد يتغلب على العقل ويمنع الإنسان من تعقيل مشاعره وأحاسيسه.
وقد سبق القول ان بداخل الإنسان ثلاث فعاليات كبرى العقلية والنفسية والجسدية. وأن تعميق العلاقة بالله سبحانه وتعالى لا يتم إلا من خلال جعل الفعاليات النفسية والجسدية خاضعة للفعالية العقلية.
والخوف حالة نفسية قد تسيطر على الإنسان، وقد لا يعلم الإنسان كيف وصل به الحال الى هذا المستوى، لكن الخوف استقر في قلبه وهيمن على شخصيته.
وان من التقوى أن نجعل أكبر خوفنا من الله سبحانه وتعالى.
يقول تعالى:\”وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى\”
والآية الكريمة تعبر بوضوح عن التلازم والترابط القائم بين الخوف من الله، ونهي النفس عن الهوى.. وكلاهما مكونان للفعالية النفسية عند الإنسان.
وقد روي عن الإمام الصادق (ع)، \”من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول، ويعلم ما يعمله من خير أو شر، فيحجزه ذلك عن القبيح، فذلك الذي خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى\”.
وورد عن أمير المؤمنين علي (ع)، \”الخوف سجن من الذنوب، ورادعها عن المعاصي\”
وعن رسول الله (ص) \”سبعة يظلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله،إمام عادل، وشاب نشأ بعبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله عز وجل اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم فأخفاها حتى لاتعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني أخاف الله عز وجل\”

لنستمع الى ما أورده ابن الجوزي في كتابه ذم الهوى عن أثر الخوف من الله في التقوى: \”كانت امرأة جميلة بمكة، وكان لها زوج، فنظرت يوما الى وجهها في مرآة فقالت لزوجها: أترى أحدا يرى هذا الوجه لا يفتتن به؟ فقال نعم قالت: من؟ قال :عبيد بن عمير، قالت :فأذن لي فيه فلافتنة. قال: قد أذنت لك، قال: فأتته كالمستفتية فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام ، قال : فأسفرت عن مثل فلقة القمر ، فقال لها: يا أمة الله! قالت :اني قد فتنت بك فانظر في أمري، قال :اني سائلك عن شيء فان أنت صدقتني نظرت في أمرك قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك، قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت : اللهم لا، قال :صدقت، قال: فلو أدخلت في قبرك وأجلست للمسألة أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة، قالت :اللهم لا، قال :صدقت قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك؟ أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا، قال : صدقت، قال : فلو جيء بك لا تدرين تخفين أم تثقلين! أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت اللهم لا، قال :صدقت، قال: فلو وقفت بين يدي الله للمسألة! أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت : اللهم لا، قال: صدقت، قال: اتقي الله يا أمة الله، أنعم الله عليك وأحسن إليك، قال: فرجعت الى زوجها فقال: ما صنعت؟ قالت : أنت بطال ونحن بطالون! فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة، قال: فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد بن عمير، أفسد علي امرأتي كانت في كل ليلة عروسا فصيرها راهبة .\”

أيها المؤمنون الأحبة.. ليكن الخوف من الله سبحانه وتعالى حاجزا لنا عن ارتكاب المعاصي وقائدا لنا الى تعميق التقوى بداخلنا.
اللهم أعنا على أنفسنا بما اعنت به الصالحين على أنفسهم.

الخطبة الثانية: عيد الغدير

اليوم هو الثامن عشر من ذي الحجة لعام1421 ه
ويعد هذا اليوم عيدا لدى المسلمين الشيعة في العالم، ويحتفلون به باعتباره يوم تتويج الإمام علي (ع) بالولاية، و إكمال الدين واتمام النعمة ويأس الكفار من إمكانية التغلب على الاسلام.
فهل يجد الموالون لأهل البيت تأصيلا يعتد به لهذا الاعتقاد السائد في أوساطهم، المتوارث جيلا بعد جيل.
ان أية قضية يريد أي طرف من المسلمين إثباتها أو إنكارها لابد له من تأصيل ذلك عبر المنهج التقليدي المعروف في أوساط المسلمين، أقصد به الرجوع للكتاب والسنة النبوية.
فما الذي يحمله لنا القرآن الكريم حول يوم الغدير، وماذا تحمله لنا السنة النبوية المطهرة؟.
اجمع كل مفسري الشيعة، متقدمين ومتأخرين أن الآية الثالثة من سورة المائدة، تأكد على الأهمية الخاصة لهذا اليوم، واتفق معهم بعض مفسري السنة في ذلك، وان اختلفوا معهم في مفهوم الآية المباركة.
والآية الكريمة هي قوله تعالى :
\”حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقيموا بالازلام ذلكم فسق اليوم يأس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم\”
وحسب المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية في تفسير الكاشف:\”اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون\” قال كثير من المفسرين: ان المراد باليوم في الآية اليوم الذي نزلت فيه من ذي الحجة في حجة الوداع من السنة العاشرة للهجرة، وعليه يكون الألف واللام في اليوم للعهد.
لكن المفسرين ـ سوى الشيعة ـ اختلفوا كثيرا في تحديد ذلك اليوم بعد أن اتفقوا على كون الألف واللام للعهد أي ـ يوم معهود ـ وقد ذهبوا حسب تفسير الأمثل الى ستة آراء.
1/اليوم الذي أنزل الله فيه الأحكام المذكورة في نفس الآية والخاصة بالحلال والحرام من اللحوم.
2/يوم عرفة من حجة الوداع.
3/نزول الأحكام في ذلك اليوم.
4/يوم فتح مكة.
5/يوم نزول سورة براءة.
6/يوم ظهور الاسلام .
وبعد أن يدحض، هذه الآراء واحدا بعد الآخر، يقول: وهكذا يتضح لنا ان أيا من الاحتمالات الستة المذكورة لا تتلاءم مع محتوى الآية موضوع البحث. ويبقى لدينا احتمال آخر ذكره جميع مفسري الشيعة في تفاسيرهم وأيدوه كما دعمته روايات كثيرة، وهذا الاحتمال يتناسب مع محتوى الآية حيث يعتبر يوم غدير خم أي اليوم الذي نصب النبي (ص) عليا أمير المؤمنين عليه السلام بصورة رسمية وعلنية خليفة له، حيث غشى الكفار في هذا اليوم سيل من اليأس، وقد كانوا يتوهمون ان دين الاسلام سينتهي بوفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وان الأوضاع ستعود الى سابق عهد الجاهلية، لكنهم حين شاهدوا ان النبي أوصى بالخلافة بعده لرجل كان فريدا بين المسلمين في علمه وتقواه وقوته وعدالته، وهو علي بن أبي طالب عليه السلام، ورأوا النبي وهو يأخذ البيعة لعلي عليه السلام أحاط بهم اليأس من كل جانب، وفقدوا الأمل فيما توقعوه من شر لمستقبل الاسلام و أدركوا ان هذا الدين راسخ. ففي يوم غدير خم اصبح الدين كاملا، إذ لو لم يتم تعيين خليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يتم تعيين وضع مستقبل الأمة الإسلامية، ولم تكن لتكتمل الشريعة بدون ذلك ولم يكن ليكتمل الدين.
ثم اختلف المفسرون أيضا في المراد من المقطع الآخر في الآية وهو قوله تعالى:
\” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا \”.
قال السنة أو أكثرهم: المراد بالآية ان الله سبحانه أكمل للمسلمين دينهم بتغلبه وإظهاره على الأديان كلها رغم محاربة أهلها ومقاومتهم له وللمسلمين، وأتم نعمته عليهم بالنص على عقيدته وشريعته أصولا وفروعا، و أبان جميع ما يحتاجون إليه في أمر دينهم ودنياهم: \”ما فرطنا في الكتاب من شيء\”
وقال الشيعة: يصح تفسير الآية بهذا المعنى اذا لم تقترن بحادثة تفسرها، وتبين المراد منها، فان كثيرا من الآيات تفسرها الحادثة التي اقترنت بزمن نزولها.
ثم قال الشيعة: وهذه الآية اقترنت بحادثة خاصة تفسرها وتبين المراد منها، واستدلوا على ذلك بما يلي:

أولا: اتفق علماء السنة والشيعة المفسرون منهم والمؤرخون على ان سورة المائدة بجميع آياتها مدينة ، ما عدا هذه الآية: \”اليوم أكملت لكم دينكم \” فإنها نزلت في مكة وفي السنة العاشر للهجرة، وهي السنة التي حج فيها رسول الله (ص) حجة الوداع.

ثانيا: ان النبي بعد ان قضى مناسكه في هذه السنة توجه الى المدينة، ولما بلغ غدير خم وهو مكان في الجحفة تتشعب منه طرق كثيرة أمر مناديا ان ينادي بالصلاة فاجتمع الناس قبل أن يتفرقوا، ويذهب كل في طريقه الى بلده فخطبهم وقال فيما قال: ان الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاثا، وفي رواية أربعا.. ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. واحب من أحبه، وابغض من بغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وادر الحق معه حيث دار. ألا فليبلغ الشاهد الغائب.
والسنة لا ينكرون هذا الحديث بعد ان تجاوز حد التواتر وسجله الكثير من أئمتهم وعلمائهم، منهم الإمام ابن حنبل في مسنده، والنسائي في خصائصه، والحاكم في مستدركه، والخوارزمي في مناقبه، وابن عبد ربه في استيعابه، والعسقلاني في إصابته، كما ذكره الترمذي والذهبي وابن حجر وغيرهم، ولكن الكثير منهم فسروا الولاية بالحب والمودة، وان المراد من قول الرسول (ص) من كنت مولاه ـ من احبني فليحب عليا. ورد الشيعة هذا التفسير بان قول النبي: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يدل بصراحة ووضوح على ان نفس الولاية التي ثبتت لمحمد (ص) على المؤمنين هي ثابتة لعلي (ع) دون زيادة أو نقصان. وهذه الولاية هي السلطة الدينية والزمنية، حتى ولو كان للفظ الولاية ألف معنى ومعنى. وعلى هذا يكون معنى الآية ان الله سبحانه وتعالى أكمل الدين في هذا اليوم بالنص على علي بالخلافة.
وفيما يلي قرائن أخرى إضافة الى ما ذكر في دعم وتأييد هذا التفسير:

1ـ لقد ذكرت تفاسير الرازي و روح المعاني و المنار في تفسير هذه الآية ان النبي (ص) لم يعش اكثر من واحد وثمانين يوما بعد نزول هذه الآية، وهذا أمر يثير الانتباه في حد ذاته إذ حين نرى ان وفاة النبي (ص) كانت في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول \”حسب الروايات الواردة في مصادر جمهور السنة، وحتى في بعض روايات الشيعة، كالتي ذكرها الكليني في كتابة المعروف بالكافي \”نستنتج ان نزول الآية كان بالضبط في يوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام وهو يوم غدير خم.

2ـ ذكرت روايات كثيرة نقلتها مصادر السنة والشيعة ان هذه الآية الكريمة نزلت في يوم غدير خم وبعد ان ابلغ النبي (ص) المسلمين بولاية علي بن أبى طالب عليه السلام.
منها على سبيل المثال الرواية التي ذكر العلامة الطباطبائي في الميزان تحت عنوان بحث روائي عند تفسيره الآية المباركة موضوع البحث، قال:
في غاية المرام: عن أبي المؤيد موفق بن أحمد في كتاب فضائل علي قال: اخبرني سيد الحفاظ شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إلي من همدان، اخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله عبدوس الهمداني كتابة، حدثنا عبد الله بن إسحاق البغووى، حدثنا الحسين بن عليل الغنوي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الزراع، حدثنا قيس بن حفص، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبو هريرة عن أبى سعيد الخدري: ان النبي (ص) يوم دعا الناس الى غدير خم أمر بما تحت الشجرة من شوك فقم، ذلك يوم الخميس دعا الناس الى علي واخذ بضبعه ثم رفعها حتى نظر الناس الى بياض ابطيه ثم لم يفترقا حتى نزلت هذه الآية \”اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا\” فقال رسول الله(ص) الله أكبر على إكمال الدين واتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي، ثم قال اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وقال حسان بن ثابت: أتأذن لي يا رسول الله ان أقول أبياتا؟ قال: قل ينزله الله تعالى، فقال حسان بن ثابت:
يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم واسمع بالنبي مناديا… باني مولاكم نعم ووليكم… فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا… إلهك مولانا وأنت ولينا… ولا تجدن في الخلق للأمر عاصا… فقال له قم يا علي فإنني… رضيتك من بعدي إماما وهاديا…، وعن كتاب نزول القرآن في أمير المؤمنين علي بن أبى طالب للحافظ أبي نعيم رفعه الى قيس بن الربيع، عن أبى هارون العبدي، عن أبى سعيد الخدري مثله، وقال في آخر الأبيات: فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا… هناك دعا اللهم وال وليه… وكن للذي عادى عليا معاديا.
أيها المؤمنون: أن هذا التفسير الذي يعتبر إكمال الدين بولاية الإمام علي (ع) يضعنا أمام مسؤولية خاصة معاشر المؤمنين بنهج علي (ع). ويفرض علينا بالإضافة للفرح لهذا اليوم واعتباره بحق عيدا للمسلمين جميعا، ان نبادر لمعرفة تاريخ علي وسيرة علي اللتي كشفت عن النضج في تفاعله مع الاسلام كخاتم للرسالات السماوية.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *