مع الحسين في خطواته وكلماته – أينا أحق بالبيعة والخلافة


ختم الإمام الحسين عليه السلام كلامه مع والي المدينة حين دعاه للبيعة، وبعد أن رفض، بقوله:
*نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالبيعة والخلافة*

وهو يشير بذلك إلى وثيقة الصلح التي أبرمت بين أخيه الإمام الحسن ومعاوية بن سفيان، حيث جاء في احد بنودها أن ليس لمعاوية أن يقرر بشأن الخليفة من بعده.

وبحسب بعض المصادر فإن وثيقة الصلح جاءت بهذه البنود:

1- تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وبسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وبسيرة الخلفاء الصالحين.

2- أن يكون الأمر للحسن من بعده, فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين, وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد.

3- أن يترك سبّ علي أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة, وأن لا يذكره إلاّ بخير.
4- استثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة آلاف ألف, فلا يشمله تسليم الأمر.

5- على أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم, وأن يؤمن الأسود والأحمر, وأن يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم, وأن لا يتبع أحداً بما مضى, ولا يأخذ أهل العراق بإحنة.

وبذلك يستند الإمام الحسين إلى وثيقة قانونية تؤكد أن رفضه للبيعة لن تحدث فراغا يزعزع استقرار الأمة الإسلامية في تلك اللحظة التأريخية، كما أنه يقدم البديل الذي يمكن للأمة المفاضلة بينه والواقع الجديد الذي فرض يزيد بن معاوية حاكما للأمة.

وهنا لابد من التأكيد أن أئمة أهل البيت كانوا حريصين أشد الحرص على وحدة الأمة الإسلامية، ومستعدين للتنازل عن حقهم الخاص من أجل بقاء الأمة أمة واحدة متماسكة، وهو ما حدث حين قبل الإمام الحسن عليه السلام بالتنازل عن الحكم لصالح معاوية، لكي لا تصبح الأمة امتين متنازعتين أو يذهب ما يزيد على سبعين الف قتيل بحسب تقدير الإمام الحسن، لينتصر طرف على حساب الطرف الآخر.

في ضوء هذا التصور تأتي الخطوات اللاحقة للامام الحسين عليه السلام منطقية جدا، وإن كان على علم بأنها تقوده إلى ساعة شهادته، بل إن المحيطين به والكثيرين من الصحابة والتابعين كانوا يتوقعون استشهاده في اي لحظة بناء على احاديث صحيحة عن جده رسول الله (ص).

فقد أشارت بعض المصادر، أن رسول الله بكى الحسين قبل خمسين عاما من شهادته، حين علم من جبريل، أن الحسين يقتل، *فسأله جبريل: يا رسول الله، هل أريك تربة من مكان استشهاده؟ فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: “نعم”. فأعطاه جبريل حفنة من تراب كربلاء، فبكى النبي صلى الله عليه واله وسلم، وقد أعطى النبي التربة لأم المؤمنين أم سلمة قائلاً لها: “عندما ترين هذه التربة تحولت إلى دم يكون الحسين قد استشهد”*. وهذا الحديث مروي في مسند الإمام أحمد.

ومن إنذاره صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم ما رواه عروة عن عائشة قالت : *دخل الحسين بن علي عليه‌ السلام على رسول الله صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم وهو يوحى إليه ، فبرك على ظهره وهو منكب ولعب على ظهره ، فقال جبرئيل : يا محمّد ، إنّ أمّتك ستفتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك ، ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء وقال : في هذه الأرض يقتل ابنك ـ اسمها الطفّ ـ. فلمّا ذهب جبرئيل خرج رسول الله صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم إلى أصحابه والتربة في يده ، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمّار وأبو ذر وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال : أخبرني جبرئيل أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه*.

وأخرج الطبراني في الكبير، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن أم سلمة قالت : *كان النبي صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم جالساً ذات يوم في بيتي فقال : لا يدخلن عليّ أحد فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج النبي صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يبكي ، فاطلعت فاذا الحسين في حجره أو إلى جنبه يمسح رأسه وهو يبكي. فقلت : والله ما علمت به حتّى دخل. قال النبي صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم : إن جبرئيل كان معنا في البيت فقال : أتحبّه ؟ فقلت : أما من حبّ الدنيا نعم ، فقال : إنّ أمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء. فتناول من ترابها فأراه النبي صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم ، فلمّا أحيط بالحسين حين قتل قال : ما اسم هذه الأرض ؟ قالوا : أرض كربلاء ، قال : صدق رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أرض كرب وبلاء*.

وجاء في « مسند أحمد بن حنبل ١ : ٨٥ » : بسنده عن عبد الله بن نجى عن أبيه : « *انّه سار مع علي عليه‌ السلام وكان صاحب مطهرته ـ أيّ الإناء الذي يتطهّر به ويتوضّأ منه ـ فلمّا حاذى نينوي ، وهو منطلق إلى صفين ، فنادى علي عليه‌ السلام : إصبر أبا عبد الله ، إصبر أبا عبد الله بشطّ الفرات. قلت : وما ذاك ؟ قال : دخلت على النبي صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله، أغصبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : بل قام من عندي جبرئيل قبل أمد فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات.

قال : فقال : هل لك إلى أن أشمّك من تربته ؟ قال : قلت : نعم ، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا* ».

ومثل هذه الأحاديث والروايات، ما يدل أن الحسين عليه السلام كان يتلمس ارهاصات شهادته، لكن ليس له إلا أن يتبع الموقف الواقعي، ويقوم بما يتطلبه منه الموقف الميداني خطوة بخطوة.

وفي ذلك الشجاعة والصبر والقدرة على التحمل والتسليم لأمر الله عز وجل.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *