مع الحسين في خطواته وكلماته – التوحيد في عقيدة الحسين


على خط الانبياء والمرسلين تجري عقيدة الامام الحسين عليه السلام في التوحيد، فهو لا يخطو خطوة ولا ينطق بكلمة ولا يرى شيئا الا ويرى الله سبحانه وتعالى قبله وفوقه وفيه وتحته وعن كافة جوانبه، بل ان نهضته عليه السلام لم تنطلق الا لله ولا ترجو الا الله عز وجل.

وهذا الذي جعله متقبلا لأي مصير يسير اليه، لأن عقيدة الإنسان تنعكس لشكل تلقائي على استجاباته لمختلف المواقف، ومن دون شك أن تعلم هذه العقيدة من الإمام سلام الله عليه سيترك طمأنينة واستقرارا نفسيا لكل من يأخذها منه.

فقد كرر في مسيره إلى كربلاء ما كان يقوله ابوه علي عليه السلام :

 ” *ألّلهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك.* “

لقد كان معتقدا بالتوحيد وعاملا من اجله ولخلق بيئة عامرة به، بل ترى التوحيد حاضرا في كلماته وحركاته في مختلف المواقف، ويغتنم أي فرصة، وربما اختلق المواقف ليوضح التوحيد للناس ويصححه في عقيدة المسلمين.

نقل ان احدا اسمه نافع الازرق سأل ابن عباس أن يصف له الله سبحانه وتعالى، فبادره الإمام الحسين عليه السلام قائلا:

” *يا نافع، من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس سائلاً ناكباً عن المنهاج، ظاعناً بالاعْوِجَاج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل*.
*أصفُ لك إلهي بما وصفَ به نفسه، وأعَرِّفُه بما عَرَّف به نفسه، لا يُدركُ بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريبٌ غير مُلتَصِق، بعيد غير منتقص يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المُتَعَال* “.

وهكذا حينما سئل عن معنى الصمد في سورة التوحيد، تجده يبسط الفهم للعامة لادراك معنى التوحيد والتفاعل معه، فقال:

” *إن الله سبحانه قد فَسَّر الصمد فقال: ( اللهُ أَحَدُ * اللهُ الْصَّمَدُ )*.
*ثم فَسَّرهُ فقال : ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ )*.
*( لَمْ يَلِدْ ) : لم يخرج منه شيء كثيف، كالولد وسائر الأشياء الكثيفة، التي تخرج من المخلوقين*.
*ولا شيء لطيف كالنفس، ولا يتشعب من البدوات كالسِّنَة والنوم والخطرة، والهم والحزن، والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع، تعالى عن أن يخرج منه شيء، وأن يتولَّدَ منه شيء كثيف أو لطيف*.
*( وَلَمْ يُولَدْ ) : لم يتولد منه شيء، ولم يخرج منه شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرهم، والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار*.
*ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، والسمع من الأذن، والشم من الأنف، والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتمييز من القلب، وكالنار من الحجر*.
*لا، بل هو الله الصمد الذي لا شيء، ولا في شيء، ولا على شيء، مبدع الأشياء وخالقها، ومنشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته، ويبقى ما خلق للبناء بعلمه، فذلكم اللهُ الصَّمد، الذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة، الكبير المُتَعال، وَلم يَكُن لَهُ كُفوا أحد* ».

ولتصحيح مفهوم التوحيد في عقيدة المسلمين، لفت النظر إلى أهمية الحذر من التأثر بتفسير أصحاب الديانات الأخرى لمفهوم التوحيد، حيث قال:

” *أيُّها النَّاس، اتقوا هؤلاء المارقة الذين يُشبِّهون الله بأنفسهم، يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب، بل هو الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، استخلص الوحدانية والجَبَروت، وأمضى المشيئة والإرادة والقدرة والعلم بما هو كائن، لا منازع له في شيء من أمره، ولا كُفو له يعادِلُه، ولا ضِدّ له ينازعه، ولا سَمِيّ له يشابهه، ولا مثل له يشاركه*.
*لا تتداوله الأمور، ولا تجري عليه الأحوال، ولا ينزل عليه الأحداث ، ولا يقدر الواصفون كُنهَ عظمته، ولا يخطر على القلوب مَبلغ جبروته، لأنه ليس له في الأشياء عديل*.
*ولا تدركه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلّا بالتحقيق، إيقاناً بالغيب لأنّه لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين، فذلك الله لا سَمِيّ له، سبحانه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير* “.

فلا غرابة عليه حين يجعل عقيدته في التوحيد، منطلق استراتيجيته في نهضته المباركة، وهو ما ثبته في مطلع وصيته التي تركها عند أخيه محمد بن الحنفية، حين قال:

” *هذا ما أوصى به الحسين بن علي إلى أخيه محمد بن الحنفية، أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،…* “

وتنعكس هذه العقيدة التوحيدية كذلك في كلماته في آخر ليلة من حياته، فقد جمع أصحابه ليلة عاشوراء، التي
قال عنها زين العابدين(عليه السلام):

*فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم و أنا إذ ذاك مريض فسمعت أبي يقول لأصحابه: اُثني على الله أحسن الثناء و أحمده على السرّاء و الضرّاء اللّهمّ إنّي أحمدك على أن أكرّمتنا بالنبوّة و علّمتنا القرآن و فقّهتنا في الدين و جعلت لنا أسماعاً و أبصاراً و أفئدة ولم تجعلنا من المشركين.*

ولأنه سلام الله موحد لله عز وجل في كل حركاته وسكناته وفي سعته وضيقه ورخائه وشدته، تجد الله عز وجل عنده حاضرا حتى في أحلك الظروف، فقد نقل علي بن الحسين زين العابدين(ع) عنه ايضا أنَّه قال:

” *لما صبّحت الخيل الحسين رفع يديه وقال: اللهمَّ أنتَ ثقتي في كلِّ كرب، ورجائي في كلِّ شدَّة، وأنت لي في كلِّ أمرٍ نزلَ بي ثقة وعدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصّديق، ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي إليك عمن سواك، ففرّجته وكشفته، وأنت وليّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة* “

كم نحن بحاجة لتعلم عقيدة التوحيد من الإمام الحسين عليه السلام.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *