مع الحسين في خطواته وكلماته – النبوة في نهضة الحسين


الاعتقاد بالنبوة ركن اساس في عقيدة كل مسلم، بل هي اهم ما يميز الأمة الاسلامية، فهم كافراد أو مجموع يعتقدون بعد التوحيد بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ما يشكل مرجعية لهم في تشريعاتهم وسلوكهم وعلاقتهم مع بعضهم البعض والاخرين، وهي عقيدة تكفي لعصمة دم المسلم وعرضه وماله، وحمايته من اي اعتداء، وجعل الدفاع عنه كالدفاع عن النفس.

اما بالنسبة للامام الحسين عليه السلام فالاعتقاد بالنبوة أكبر من كونها عقيدة دينية، بل هي سمة شخصية انعكست عليه منذ نعومة اظافره، والزمته دينيا بما لم تلزم به اخرين، فهو امتداد للرسالة التي جاء بها النبي (ص)، وترسخت في قول جده رسول الله (ص): *حسين مني وانا من حسين*

وللمتابع لنهضته سلام الله عليه أن يلاحظ الحضور البارز للنبوة في كل مفاصل نهضته، بل هي تطبع حركته من بدايتها وحتى لحظة شهادته.

ففي اول لقاء مواجهة مع الوالي على المدينة حين رفض أن يبايع، قال له: *انا اهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة…*

وقبل ان يغادر مدينة جده رسول الله(ص) ترك وصية لاخيه محمد بن الحنفية، ذكر في مطلعها انه يشهد ( …*أن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده* )

وأكد على النبوة حين وصل مكة في رسالته إلى رؤوساء الاخماس في البصرة: ( *أما بعد فإن الله اصطفى محمدا ( ص ) من خلقه وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته ثم قبضه إليه وقد نصح لعباده وبلغ ما ارسل به، وكنا أهله وأولياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس، فأستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة واحببنا العافية، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه، وقد بعثت رسولي اليكم بهذا الكتاب وانا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فإن السنة قد أميتت والبدعة قد أحييت، فإن تسمعوا قولي أهدكم سبيل الرشاد* ).

 وكانت النبوة حاضرة أيضا في خطبته في مكة المكرمة، حين أعلن بيانه وهو يهم بالخروج منها بعد أن علم بأن محاولة جادة لاغتياله ولو كان متعلقا باستار الكعبة، إذ قال: ( *لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده* )

وفي طريقه من مكة إلى الكوفة وقبل لقاء جيش الحر بن يزيد الرياحي، توقف في منطقة الثعلبية، وفيها التقى رجلا من اهل الكوفة فقال له الحسين عليه السلام:
( *أما لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبريل في دارنا ونزوله بالوحي على جدي…* )

وحين واجهه جيش الحر، خاطبهم: ( *أيها الناس إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله ونحن أهل بيت محمد (ص) أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ماليس لهم والسائرين بالجور والعدوان…* )

وكرر عليهم التذكير بحضور النبوة في شخصيته ونهضته، بقوله: ( *فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم، ولكم فيّ أسوة* )

وحين وصل إلى كربلاء حيث موضع مصرعه وشهادته والثلة الطاهرة من أهل بيته وأنصاره، نظر إليهم وقال:
 ( *اللهم إنا عترة نبيك محمد قد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو أمية علينا، اللهم فخذ لنا بحقنا وأنصرنا على القوم الظالمين* ).

واجتمع معهم مرة آخرى قبل مقتله بليلة، وكان فيما قال: ( *اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين…وقد أخبرني جدي رسول الله (ص) بأني سأساق إلى العراق فأنزل أرضا يقال لها عمورا وكربلاء وفيها استشهد وقد قرب الموعد* ).

وذكر عدوه في يوم عاشوراء وقبل التحام المعسكرين بموضعه من النبوة وموضع النبوة منه، بقوله: ( *أيها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه… أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟* )

وتابع بالقول: ( *فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أني ابن بنت نبيكم، فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم…* ).

أكثر من ذلك أنه استشهدهم عن نفسه وما عليه من سيف النبي ولامته وعمامته فأجابوه بالتصديق، فسألهم عما أقدمهم على قتله، قالوا: طاعة للأمير عبيد الله بن زياد.

وكانت اخر كلماته التي أكد فيها حضور النبوة في شخصه ونهضته، ما جاء في دعائه وهو مطروح على الأرض تجلله الدماء من أثر ضربات السيوف وطعنات الرماح ورشقات السهام وقذف الحجارة، فرفع طرفه إلى السماء بالدعاء، فكان مما قال فيه: ( *اللهم احكم بيننا وبين قومنا فإنهم غرونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد (ص) الذي اصطفيته بالرسالة وائتمنته على الوحي، فاجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا يا أرحم الراحمين* )

ولك أن تتصور أيها القارئ الكريم، كيف يمكن لمن يؤمن بنبوة محمد ( ص) إن يسمع هذه الكلمات من الحسين عليه السلام، ثم يقبل على قتله أو يشارك في ذلك أو يعين عليه؟!

وهذا الانفصام بين ما يعتقد به الذين شاركوا في قتل الحسين، وما قاموا به من جريمة، يعكس حجم الازمة العقائدية والاخلاقية والرسالية التي وقعت فيه الأمة، وكم كان الحسين عليه السلام محقا حين قام بنهضته، لعل الأمة تتوقف متأملة لتعيد النظر في مسارها الحالي والمستقبلي.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *