مع الحسين في خطواته وكلماته – جنة الحسين


قال الإمام الحسين عليه السلام في خطبته الأولى يوم عاشوراء لجيش ابن سعد، وقبل بدء المعركة:

( *أَوَ لَمْ يَبْلُغْكُمْ‏ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِي وَ لِأَخِي هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟*
*فَإِنْ صَدَّقْتُمُونِي بِمَا أَقُولُ وَ هُوَ الْحَقُّ، وَ اللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِباً مُنْذُ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ، وَ إِنْ كَذَّبْتُمُونِي فَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ لَوْ سَأَلْتُمُوهُ عَنْ ذَلِكَ أَخْبَرَكُمْ، سَلُوا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ، وَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يُخْبِرُوكُمْ أَنَّهُمْ سَمِعُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لِي‏ وَ لِأَخِي، أَ مَا فِي هَذَا حَاجِزٌ لَكُمْ‏ عَنْ سَفْكِ دَمِي*)؟

وإلى اليوم، لا ينكر مسلم أن الحسين سيد شباب أهل الجنة، وكيف يمكن إنكار ذلك، وهو قول متواتر عن رسول الله (ص).

وهنا يتضح لنا حجم الكارثة التي ارتكبها قتلة الحسين عليه السلام بحق الإنسانية والأمة الإسلامية وأنفسهم، فلا هم استطاعوا دحض مقولة الحسين عن جده، فيمكن لهم تسويغ ما أقدموا عليه، ولا أنهم نفوا اعتقادهم بالجنة التي يعتقد بها كافة المسلمين، بل واتباع الديانات السماوية.

فالقرآن الكريم فصل عن الجنة بما لا يدع لمسلم حجة في عدم الاعتقاد بها، بل جعلها التطلع المستقبلي لكل مؤمن ومؤمنة، ولن يكون لخاسرها بديلًا إلا النار.

لنتوقف مع آيات من القرآن الكريم، لنتعمق في عقيدة الحسين عليه السلام في الجنة، حين قال: ( *وأن الجنة حق*).

قال تعالى في سورة آل عمران, الآية 185:
*كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور*

وقال في سورة النساء, الآية 124:
*ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا*

وفي سورة الأعراف, الآية 42:
*والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون*

وقال في سورة آل عمران, الآية 142:
*أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين*

وفي سورة الأعراف, الآية 44:
*ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين*

وفي سورة البقرة, الآية 214:
*أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب*

وكثيرة هي الآيات التي تتحدث عن الجنة، التي سيد شبابها الحسين بن علي عليه السلام.

 وبالعكس من جيش عمر بن سعد والسلطة التي تقف خلفه، عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية، الذين ختم الله على قلوبهم، وأعمت السلطة أبصارهم وبصيرتهم، ولم يعرفوا حقيقة الفوز، والمصير إلى الجنة بعد فراق هذه الدنيا، فإن الذين وقفوا مع الحسين عليه السلام من أهل بيته وأنصاره، لم يقبلوا بأي بديل عن الشهادة مع الحسين عليه السلام، وهم على علم أنه سيد شباب أهل الجنة، فأرادوا أن يكونوا معه في جنته.

لنرى موقفهم، بعد أن خطب فيهم الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء وطلب منهم التفرق عنه، فقد نقلت المصادر التاريخية أنه قال لهم:
( *ألا: و إني لا أظن يوماً لنا من هؤلاء الأعداء إلا غداً، ألا و إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلٍّ من بيعتي ليس عليكم مني حرج و لا ذمام، و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، و ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، و تفرّقوا في سواد هذا الليل، و ذروني و هؤلاء القوم، فإنهم لا يريدون غيري* ).

فانظر كيف جاءت ردود أهل بيته وأنصاره، فقد قال له أخوته وأبناؤه وأبناء عبد الله بن جعفر: ولِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدا.
وأضافوا:
لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبداً، ولكن نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك ونرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك.

أما موقف أنصاره، فهذا بشير بن عمر الحضرمي الذي بلغه أن ولده “عمرو” أسره الديلم بمدينة الريّ، فقال له الإمام الحسين عليه السلام :” *رحمك الله، أنت في حلّ من بيعتي، فاذهب واعمل في فكاك ابنك*”، فأجاب: “أكلتني إذن السباع حيَّاً إن أنا فارقتك”.
وهذا عابس بن شبيب الشاكري، الذي قال للإمام الحسين عليه السلام : “ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ، ولا أحبّ إليّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليَّ من نفسي ودمي لفعلته”.

وهذا سعيد بن عبد الله الحنفيّ الذي قال: “والله لا نخلّيك حتى يعلم الله أنَّا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيك.

والله لو أعلمُ أنِّي أُقْتلُ، ثم أُحيى، ثم أُحَرق، ثُمَّ أُذرَّى، ويفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حِمامي دونك. وكيف لا أفعل ذلك، وإنَّما هي موتة أو قتلة واحدة، ثم هي بعدها الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً”.

وأثبت صدقه حين حضرت صلاة الظهر يوم عاشوراء، فقد نقلت الروايات أن الحسين عليه السلام أمر زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي، أن يتقدما أمامه بنصف من بقي معه، وصلى بهم صلاة الخوف.
ولما أثخن سعيد بالجراح سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود وأبلغ نبيك مني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك (ص)، والتفت إلى الحسين قائلا: أوفيت يا ابن رسول الله؟
قال: ( *نعم أنت أمامي في الجنة*).

 ثم قال (عليه السلام): ( *يا أصحابي! إن هذه الجنة قد فتحت أبوابها، واتصلت أنهارها، وأينعت ثمارها، وزينت قصورها، وتألفت ولدانها وحورها، وهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) والشهداء الذين قتلوا معه وأبي (عليه السلام) يتوقعون قدومكم، ويتباشرون بكم، وهم مشتاقون إليكم، فحاموا عن دين الله وذبوا عن حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)*.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *