مع الحسين في خطواته وكلماته – صورة المستقبل عند الحسين


تمامًا كما يعتقد الحسين عليه السلام بالتوحيد والنبوة، وهو ما وقفنا عليه سابقًا، يعتقد كذلك أن الموت ليس نهاية هذه الحياة، بل هو محطة في طريق المستقبل، ويمكن أن تكون هذه المحطة أسعد ساعة في حياة الإنسان، فقد قال:
( *إني لا أرى الموت الا سعادة* )
 فالمستقبل الحقيقي في بصيرته في الآخرة، أي ما بعد الموت، حيث الجنة له ولأنصاره والمؤمنين الصالحين في الحياة الدنيا، بينما النار تكون مصير المفسدين والظالمين والكافرين ومن يعتقد مثلهم.

هكذا أكد في وصيته، بعد تثبيت عقيدته في التوحيد والنبوة:
 ( *وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور*)

وهنا مفترق طرق ليس في العقيدة فقط،بل في التفكير والسلوك والمفاهيم وإعطاء المعنى للحياة، فالحسين ومن يؤمن بدين الحسين، الذي هو دين جده رسول الله (ص) الموثق في القرآن الكريم والسنة الشريفة، يرى أن الحياة التي نعيشها قاعة يختبر فيها الله سبحانه وتعالى عباده، ليرى مدى أهليتهم لدخول الجنة التي أعدها للصالحين من عباده، بينما على الطرف الآخر، يقف المضادون للحسين، الذين لا يرون الحياة أبعد من هذه الفترة الزمنية القصيرة بين الولادة والوفاة، وإن كانوا يعيشون في المجتمعات التي تؤمن بالأديان السماوية، فهم على شك من البعث والنشور والحساب والجنة والنار بعد الموت، هؤلاء عبر عن فلسفتهم عمر ابن سعد قائد الجيش الذي قتل الحسين، حيث قال:
يقولونَ إن اللّه خـــــــــــالقُ جنةٍ ونارٍ وتعذيـبٍ وغـــــــــــلِّ يدينِ
فإن صدقوا فيما يـقولـــون إنني أتوبُ إلى الرحمــنِ من ســـنتينِ
وإن كذبوا فزنا بدنــــيا عظيمةٍ  وملكٍ عظيـــــــــــمٍ دائمِ الحجلينِ

والفارق في المعنى النابع من العقيدة ينعكس على السلوك ونمط الحياة ومفهوم الربح والخسارة والنجاح والفشل، فالذي يؤمن بالجنة قد يضحي بأغلى ما يملك لكي يفوز بها، وهو ما صنعه الحسين والأطهار من أهل بيته وصحبه، فاستحق أن يكون بالفعل سيد شباب أهل الجنة، كما أكد ذلك من قبل جده رسول الله (ص).

بينما أعداؤه لم يتورعوا عن حرق خيامه وسلب نسائه، بل وحتى تجريده من ثيابه الممزقة بطعنات الرماح وضرب السيوف و الملطخة بالدماء، لأنهم يرون لهذه الثياب قيمة سوقية.

والحسين في عقيدته بالجنة والنار والحساب والبعث من القبور، لم يؤمن بعقيدة استقل بها، بل هي عقيدة كل من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، غير أن الفارق بين الحسين و غيره، أن عقيدته راسخة في قلبه وضميره وشعوره كرسوخ الجبال الرواسي، لا تغيرها الضغوطات ولا الإغراءات ولا التحديات، بينما غيره وإن كان مسلمًا في الظاهر لا تتجاوز عقيدته طرف لسانه، أو كما عبر هو عليه السلام:
( *الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون*)

وهنا نحتاج إلى الحسين عليه السلام في التعلم والتدرب على ترسيخ العقيدة التي رفعته مكانًا عليًا في الدنيا والآخرة، فكيف يمكن للمرء أن يتيقن بالبعث بعد الموت، وكيف يمكن له التصديق بالحساب، وأن بعد الحساب إما جنة أو نار؟

لنبدأ من عقيدة البعث بعد الموت، هل هي ممكنة؟

بالرجوع إلى القرآن الكريم نجد ثلاث آيات متتاليات تقف خلف عقيدة الحسين عليه السلام ومن ثم السالكين على طريقته، يلزمنا التأمل فيها لتثبيتها في نفوسنا لنبني عليها بعد ذلك الصورة المستقبلية لنا بعد انتهاء تجربتنا الحياتية في هذه الدنيا.

يقول تعالى في سورة الحج, الآية 5:
( *يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج*)

وفي الآية التي بعدها من ذات السورة, الآية 6:
( *ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير*)

والتي بعدها من سورة الحج ايضا, الآية 7:
( *وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور*)

فالتأمل في الآية الاولى يكشف لنا أن القرآن الكريم يستخدم المنهج الحسي في توضيح إمكانية الحياة بعد الموت، ومن ثم الحساب على تجربتنا في الحياة الدنيا، وفي ضوئها هل نستحق الجنة لنكون مع الحسين عليه السلام، أم أننا فشلنا للتأهل لذلك.

يستخدم القرآن الكريم مثالين حسيين، والمنهج الحسي هو أكثر المناهج العلمية قدرة على الإقناع، بل والاتفاق عليه من كافة الناس.

المثال الأول: حياتك أنت أيها الإنسان وحياة أمثالك من الناس، منذ الولادة وحتى الوفاة، حيث جئتم من التراب وستعودون إلى التراب، ومن جاء بك من التراب وأرجعك إلى التراب قادر على أن يكرر ذلك مرة أخرى، سواء بطريقة المراحل التي فصلها القرآن الكريم وهو سابق على العلوم في ذلك، أو بطريقة أخرى تتناسب مع الغرض من إعادة الخلق مرة ثانية، وهو الحساب والزفاف إلى الجنة أو السوق إلى النار.

المثال الثاني: من الزرع الذي يحيط بيئتك في كل مكان، حيث ترى أرضًا قاحلة جرداء، وبعد فترة قصيرة تراها قد تحولت إلى حديقة غناء، فهذه الدورة الحياتية للزرع ونتاجه الذي يؤثر على حياتك، هي من التراب. ومن يمتلك هذه الآلية في الإحياء يمكن له أن يحيينا من جديد ويحاسبنا على كل ما قمنا به في حياتنا الدنيا.

إذن إمكانية الحياة بعد الموت معقولة جدًا، وهو ما يعني أن الموت ليس النهاية، وأن مستقبلنا ليس في هذه الحياة التي نعيشها الان في هذه الدنيا، بل فيما بعد الموت، الأمر الذي يتطلب منا التخطيط والعمل لتلك المرحلة من الحياة، حيث المستقبل في بيئة غاية في الروعة مع الحسين بن علي وجده الحبيب المصطفى (ص)، أو مع الذين وقفوا بالضد من الحسين عليه السلام، في نار سجرها جبارها لغضبه، وهو ما لا يتمناه أي عاقل.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *