مع الحسين في خطواته وكلماته – عقيدة الحسين


العقيدة -إن على المستوى الشخصي أو الأمة- تقف خلف تحديد المسار الحاضر والمستقبلي، وتشكل الدوافع وتحدد الانطلاقة في الحياة، وتضبط السلوك والمشاعر والانفعال، بل تشكل العقيدة القتالية لأي فرد أو أمة.

ولقد كان الحسين عليه السلام واضحًا جدًا في الكشف عن عقيدته، في كافة مراحل نهضته، سواء عقيدته على مستوى الخصوصية التي تميز بها، أم على مستوى العقيدة التي تجمعه مع كل فرد في الأمة الإسلامية التي أراد استنهاضها.

على المستوى الشخصي يرى الحسين نفسه امتدادًا لجده رسول الله وحاملًا لشرف الرسالة والنبوة، وهو ابن بنت رسول الله الذي لا يوجد أحد غيره، يتصف بهذه الصفات والسمات والخصوصية، الأمر الذي يفرض عليه أن ينير درب هذه الأمة للصلاح واستعادة دورها الريادي بين الأمم.

تتضح هذه العقيدة الشخصية فيما أكد عليه مرارًا وتكرارًا من أقوال وكلمات واحتجاجات في مختلف المواقف والخطوات.

لقد كشف الحسين عن عقيدته الشخصية في أول مواجهة له مع والي المدينة وهو يعلن عن موقفه من البيعة، فقال:

*إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم*

واستمر في تأكيد عقيدته في نفسه حتى يوم عاشوراء، فقال في خطابه إمام عسكر بن سعد:
 *أَمَّا بَعْدُ، فَانْسُبُونِي فَانْظُرُوا مَنْ أَنَا، ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ وَ عَاتِبُوهَا فَانْظُرُوا هَلْ يَصْلُحُ لَكُمْ قَتْلِي وَ انْتِهَاكُ حُرْمَتِي، أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ وَ ابْنَ وَصِيِّهِ وَ ابْنِ عَمِّهِ وَ أَوَّلِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِ لِرَسُولِ اللَّهِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، أَوَ لَيْسَ حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عَمِّي، أَوَ لَيْسَ جَعْفَرٌ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ بِجِنَاحَيْنِ عَمِّي، أَوَ لَمْ يَبْلُغْكُمْ‏ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِي وَ لِأَخِي هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟*.

ونقلت بعض المصادر عنه سلام الله عليه شعرًا قاله يوم عاشوراء، يعكس عقيدته في نفسه.

*أنا ابن علي الطهر من آل هاشم*
*كفاني بهذا مفخرا حين أفخر*.
*وجدي رسول الله أكرم من مضى*
*ونحن سراج الله في الخلق نزهر*
 *وفاطم أمي من سلالة أحمد*
*وعمي يدعى ذا الجناحين جعفر*
*وفينا كتاب الله انزل صادقا*
*وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر*
*ونحن أمان الله للناس كلهم*
*نسر بهذا في الأنام ونجهر*
*ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا*
*بكأس رسول الله ما ليس ينكر*.

أما على مستوى العقيدة المشتركة مع الأمة، ما يفرض عليها التجاوب مع دعوته ونهضته سلام الله عليه فقد أكدها في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية والعديد من خطاباته ومواقفه.

قال في وصيته:
*أنّ الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عنده، وأنّ الجنّة حقّ، والنار حقّ، وأنّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَن في القبور.*

وهذه العقيدة تعكس إيمان كافة المسلمين بالتوحيد والنبوة والجنة والنار والحساب والحياة بعد الموت، وهي عقيدة لا يتنصل منها إلا من يتخلى عن القرآن الكريم كوحي منزل على نبي الإسلام محمد (ص)، ولقد كرر الإمام الحسين عليه السلام التأكيد على هذه العقيدة في العديد من خطواته ومواقفه، منها ذكره المؤرخون أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) -بعد أن قرّر التوجّه إلى العراق- بعث رسالة إلى زعماء البصرة جاء فيها:
 ” *أمّا بعد، فإنّ الله اصطفى محمّداً (صلّى الله عليه وآله) من خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثمّ قبضه إليه، وقد نصح لعباده، وبلّغ ما اُرسل به، وكنّا أهلَه وأولياءه، وأوصياءه وورثته، وأحقَّ الناس بمقامه، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقُّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممّن تولاّه. وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه؛ فإنّ السنّة قد أُميتت، والبدعة قد أُحييت، فإنْ تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد*”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *