مع الحسين في خطواته وكلماته – لو لم يوجد ملجأ فلن ابايع


رفض الحسين عليه السلام البيعة ليزيد بن معاوية، في ذلك اللقاء الذي استدعاه إليه والي المدينة في منتصف الليل،
ولم تكد تمضي ساعات حتى أرسل الوالي رجاله ليحضروا الحسين مجددا مطالبا اياه بالبيعة، ومرة أخرى يؤجلهم الحسين قائلا لهم : *أصبحوا، ثم ترون ونرى*

فكفوا تلك الليلة عنه، ولم يلحوا عليه، لكنه عرف أنهم لن يتركوه وشأنه وسوف يرغمونه على البيعة، أو لن يترددوا عن قتله.

فما هي الخيارات التي كانت أمام الحسين (ع) للتعامل مع هذا الوضع؟
وقد عبر سلام الله عليه لابن عمر الذي دعاه لعدم ترك المدينة بالتهديد الذي يحيط به، بقوله:
*إن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا يهدى إلى بغي من من بغايا بني إسرائيل وأن رأسي يهدى إلى بغي من بغايا بني أمية*.

يمكن لنا معرفة ذلك من خلال مواقف اهل بيته والقريبين منه، التي توزعت إلى ثلاث مجموعات:

١. مبايعة يزيد بن معاوية، وهو ما اقترحه عليه اخوه عمر بن علي ابن أبي طالب، حيث قال له: انك مقتول فلو بايعت لكان خيرا لك، فقال له الحسين عليه السلام:
*إني لا اعطي الدنية من نفسي أبدا*

٢. اللجوء الى مكان آمن، وهو ما اقترحه عليه اخوه محمد بن الحنفية، فقال له: “يا أخي، أنت أحبّ الناس إليَّ وأعزّهم عليَّ، ولست والله أدّخر النصيحة لأحد من الخلق، وليس أحد من الخلق أحق بها منك، لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري، وكبير أهل بيتي، ومن وجبت طاعته في عنقي، لأن الله قد شرَّفك عليّ، وجعلك من سادات أهل الجنة. تنحّ ببيعتك عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس، فادعهم إلى نفسك، فان تابعك الناس وبايعوا لك، حمدت الله على ذلك، وإن اجتمع الناس على غيرك، لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك، وإني أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار، فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون، فتكون لأوّل الأسنة غرضاً، فإذا خير هذه الأمة كلها نفساً وأباً وأمّاً، أضعيها دماً، وأذلّها أهلاً”.

فقال له الحسين (عليه السلام):” *فأين أذهب يا أخي*؟”.
قال: “تخرج إلى مكّة، فإن اطمأنت بك الدار بها فذاك، وإن تكن الأخرى، خرجت إلى بلاد اليمن، فإنهم أنصار جدّك وأبيك، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً، وأوسع الناس بلاداً، فإن اطمانّت بك الدّار، وإلا لحقت بالرمال وشعف الجبال، وجزت من بلد إلى بلد، حتى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس، ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين، فإنك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبل الأمر استقبالاً”.
فقال الحسين (عليه السلام): ” *يا أخي، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى، لما بايعت يزيد بن معاوية* “.

فقطع محمد بن الحنفية عليه الكلام وبكى، فبكى الحسين (عليه السلام) معه ساعة.

ثم قال له الحسين: ” *يا أخي، جزاك الله خيراً، فقد نصحت وأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً، وأنا عازم على الخروج إلى مكّة، وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي، أمرهم أمري، ورأيهم رأيي، وأما أنت يا أخي، فلا عليك أن تقيم بالمدينة، فتكون لي عيناً عليهم، لا تخفي عني شيئاً من أمورهم* ” .

٣. الذين وقفوا معه اولا بأول، وهم الذين عبر عنهم بإن أمرهم أمره ورأيهم رأيه، وهم الذين أشار إليهم في كلامه مع أخيه محمد بن الحنفية.

وبحسب الاحداث، ترك الحسين المدينة بالفعل وتوجه إلى مكة، وبذلك تخلص مؤقتا من ارغامه على البيعة.

وقبل خروجه من المدينة المنوّرة، زار قبر جدِّه رسول الله (ص) زيارة مُودِّع لا يعود .
 فوقف عليه السلام إلى جوار القبر الشريف ، فصلَّى ركعتين.
 ثم أخذ يُناجي ربَّه قائلاً : ( *اللَّهُمَّ هَذا قَبْر نَبيِّك مُحمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) وأنَا ابنُ بنتِ نَبيِّك ، وقد حَضَرني مِن الأمرِ مَا قد عَلمت ، اللَّهُمَّ إنِّي أحِبُّ المَعروف، وأنكرُ المُنكَر، وأنَا أسألُكَ يَا ذا الجَلال والإكرام ، بِحقِّ القبرِ ومن فيه ، إلاَّ مَا اختَرْتَ لي مَا هُو لَكَ رِضىً ، ولِرسولِك رِضَى* )


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *