مع الحسين في خطواته وكلماته – وصيتان


قرر الامام الحسين عليه السلام مغادرة مدينة جده رسول الله صلى الله على وآله وسلم، بعد أن تأكد له بما لايدع مجالا للشك، أنه لن يترك وشأنه، فإما أن يبايع أو يقتل.

وأبلغ اهل بيته وبني هاشم بقراره، ولعلمهم بحيثيات القرار وخطورته وما استقر عندهم من احاديث نبوية تؤكد أن الحسين يقتل، وقع عليهم القرار بموجة من الحزن الشديد، فكان ذلك اليوم بالنسبة لهم كيوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. .

جاء في بعض المصادر:
ولما عزم الامام على مغادرة يثرب واللجوء إلى مكة اجتمعن السيدات من نساء بني عبد المطلب، وقد جاشت عواطفهن بالأسى والحزن: فقد تواترت عليهن الانباء عن رسول الله (ص) عن مقتل ولده الحسين، وجعلن ينحن، وتعالت أصواتهن بالبكاء، وكان منظرا مفزعا، وانبرى إليهن الحسين، وهو رابط الجاش فقال لهن:
” *أنشدكن الله أن تبدين هذا الامر معصية لله ولرسوله* “.
فذابت نفوسهن، وصحن:
” لمن نستبقي النياحة والبكاء، فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي وفاطمة والحسن.. جعلنا الله فداك يا حبيب الأبرار..”.

وجاءته أم سلمة (رضي الله عنها) فقالت: يا بني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق، فإنّي سمعت جدّك يقول: يقتل ولدي الحسين عليه السلام في أرض يقال لها كربلا في العراق.
 فقال لها: ( *يا أماه وأنا والله أعلم ذلك، وأنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بدّ، وإنّي والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها.*
فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا وسلّمت أمره إلى الله.

فقال لها: ( *يا أماه، قد شاء الله عَزَّ وجَلَّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً* ).

ثم دفع إليها وصية وكتبا وغير ذلك، وقال لها:
 ( *إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما قد دفعت إليك*)
 فلمّا قتل الحسين عليه السلام أتى عليّ بن الحسين عليه السلام الى أم سلمة فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين عليه السلام.

وهذه الوصية وصية خاصة، لكنها احدى الطرق التي تؤكد امتداد الإمامة بعد الإمام الحسين عليه السلام، وهي في حد ذاتها تحتاج الى تأمل، فقد قرر جيش ابن سعد الذي واجه الحسين في كربلاء، أن لا يبقي أحدا من ولده، لكن ارادة الله عز وجل فوق ارادتهم.

وهنالك وصية عامة في غاية الاهمية لفهم حركة الامام الحسين عليه السلام، وهي الوصية التي تركها عند أخيه محمد بن الحنفية ، وهي التي أوضح فيها الإمام العقيدة التي يلتزمها والأهداف التي يتطلع إليها والوسائل التي يعتمدها في تحقيق اهدافه، والانموذج الذي يتمثله في حركته، واستعداده لتقبل أي موقف تقفه الأمة من دعوته.

وهنا نصّها: ( *هذا ما أوصى به الحسين بن عليّ إلي أخيه محمد بن الحنفية، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وأنّ الجنة حق والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور، وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين* ) .

ولابد لنا من إطالة الوقوف مع هذه الوصية، لعلنا نأخذ منها ما نستوضح به نهضته عليه السلام، ونتعلم منه ما ينفعنا للدنيا والاخرة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *