مع الحسين في خطواته وكلماته – ومثلي لا يبايع مثله


لم يكن موقف الإمام الحسين عليه السلام برفض البيعة ليزيد في لقائه مع الوليد بن عتبة، هو الأول نوعه، بل سبق له أن أعلن عن هذا الموقف امام معاوية بن أبي سفيان حين جاء إلى المدينة واجتمع بوجوهها، وسيما بني هاشم لاقناعهم بصلاحية ابنه يزيد للحكم، وقد تفاجأ من موقف الحسين (ع) ولغة الصرامة والتحدي في الرد.

فقد قال عليه السلام:
 ( *وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد من اكتماله، وسياسته لاُمّة محمّد (ص)، تريد أن توهم النّاس في يزيد، كأنّك تصفُ محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استفرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السّبق لأترابهنّ، والقيان ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصراً، ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه، فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور، وحنقاً في ظلم حتّى ملأتَ الأسقية، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص* )

ولم يكن معاوية يتوقع مثل هذا الرد من الحسين، سيما بعد أن بالغ في وصف ابنه يزيد وأهليته للقيادة، فقال لابن عباس: ما هذا يابن عباس؟ فقال ابن عباس: لعمر الله! إنّها لذرّية رسول الله (ص)، وأحد أصحاب الكساء، ومِنَ البيت المطهّر، فاسأله عمّا تريد.

وتكرر تأكيد الحسين برفض بيعة يزيد والتذكير به في مواقف أخرى في زمان معاوية، فقد جاء في إحدى رسائله الجوابية لمعاوية:

*وقتلك أولياءه على التُّهم، ونفيك إيّاهم من دورهم إلى دار الغربة، وأخذك النّاس ببيعة ابنك الغلام الحدث، يشرب الشّراب، ويلعب بالكلاب، ما أراك إلاّ قد خسرت نفسك، وبترت دينك، وغَشَشْتَ رعيّتك، وسمعت مقالة السّفيه الجاهل، وأخفت الورع التقيّ*.

وكذلك بعد لقائه الوليد بن عتبة والي المدينة، صادف في صبيحة اليوم التالي مروره بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه، فقال: أبا عبد الله! إني لك ناصح فأطعني ترشد وتسدد، فقال الحسين: وما ذلك قل حتى أسمع! فقال مروان: أقول إني آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد فإنه خولك في دينك ودنياك، قال: فاسترجع الحسين وقال: *إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد*. ثم أقبل الحسين على مروان وقال: ويحك! أتأمرني ببيعة يزيد وهو رجل فاسق! لقد قلت شططا من القول يا عظيم الزلل.

وللملاحظ أن يرى أن الحسين (ع) حين يرفض البيعة يذكر ما يتصف به يزيد، ما يجعله غير مؤهل لقيادة أمة اراد الله عز وجل لها أن تكون خير أمة أخرجت للناس و تكون في موقع قيادة العالم الإنساني، فتعطي صورة مشرقة في تفاعل البشرية مع الرسالات السماوية.

يقول تعالى في سورة آل عمران, الآية 110:
*كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون*

ويقول في سورة البقرة, الآية 143:
*وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم*

فهل لحريص على مستقبل أمته أن يتوقع لها التقدم والرقي ومنافسة الأمم الأخرى، بل و قيادتها عبر تقديم الانموذج الحضاري الجدير بالتعلم منه، ومن يتولى قيادتها وإدارة شؤونها، من عرف في سيرته الذاتية بمخالفته الصريحة لقيمها ومبادئها، وهو:
*الغلام الحدث، يشرب الشّراب، ويلعب بالكلاب.*
و *أخذ به من استفرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السّبق لأترابهنّ، والقيان ذوات المعازف، وضروب الملاهي.*
وحين أصبح رجلا:
*رجل فاسق شارب الخمر  ، قاتل النفس المحرَّمة، معلن بالفسق*

 وبعد ذلك الا يحق لابي عبد الله الحسين، الامتناع عن بيعة شخص هذه مؤهلاته، وأن يقول:

*ومثلي لا يبايع مثله*


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *