مع النبي (ص) في سيرته ونهجه


من هو النبي محمد بن عبد الله (ص) ؟!

انه النبي الذي أرسله الله للبشر كافة قبل أكثر من 1410 سنة ، فجاء بدين جديد اسمه الاسلام، وسمي اتباعه المسلمون. وبقي دينه حتى يومنا الحاضر أقوى الأديان على وجه الأرض ، و الأكثر انتشارا في العالم ، كما تقول الدراسات الغربية .

ولكن هل هذا يكفي لكي نعرف النبي ، ونعرفه للآخرين، أم أن هذا النبي لازال مجهولا لدى الكثيرين من الناس، و لعل الأكثر جهلا لهذا النبي العظيم هم اتباعه اليوم (اقصد المسلمين).

ولعل المسلمين يثارون ، ويخرجون عن طورهم العادي احتجاجا على صدور رواية، تنال من شخصية هذا النبي العظيم. وهم يجهلون الكثير عن حياته .

تعالوا إذن لنعرف شيئا ما عن شخصية رسول الله (ص) لنعرف علة عشقنا للنبي، ولماذا استطاع هذا الرجل الأمي ، اليتيم الأبوين،ان يصبح اعظم شخصية وطأة هذه الأرض .

‘,’
لكي نعرف قيمة أي شخص فان علينا ان ننظر إليه من الزوايا التالية :
1/ما الذي أنجزه هذا الشخص في حياته ،كيف ابتدأ حياته وكيف ختمها ؟
2/ما الذي جعله يصل الى ما وصل إليه ؟!
3/ماذا يقول عنه الآخرون، أحباؤه و أصدقاؤه، وماذا يقول عنه أعداؤه، وماذا يقول عنه التاريخ ؟!

ان موجزا لتاريخ النبي محمد (ص) يقول : انه ولد يتيم الأب، وماتت عنه أمه وعمره ست سنين، فتعاهده جده عبد المطلب، وبعد وفاته عاش في كنف عمه أبى طالب. وفي أولويات حياته شارك في حلف الفضول الذي كان الهدف منه نصرة المظلوم، والوقوف في وجه العدوان من إي مصدر كان، وقد قال عنه بعد بعثته \” لو دعيت لمثله لاجبت \”.
وتدرج في حياته وكان مباركا، فانتخبته خديجة بنت خويلد، ليكون مدير تجارتها، ولاكتشافها عظمة هذا الرجل، قررت الزواج منه فبادلها الرغبة، فكان ابرك زواج على وجه الأرض.
ضاقت به مكة، ولم تستطع الإجابة على ا أسئلة تختلج بصدره، فكان يذهب إلى خارج مكة بعيدا عن الضوضاء، ليختلي مع نفسه عند غار حراء يفكر في وضع العالم المتردي .
خرج يوما إلى غار حراء كعادته حتى اذا حل الليل، جاء له ملك وقال له: اقرأ فلم يقرأ حتى كررها ثلاثا، ثم قال:
\” اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم \”. فقراها فكأنما طبعت في قلبه.
ثم رجع الى بيته، و اذا به يسمع هاتفا يقول:
يا محمد أنت رسول الله، و أنا جبرائيل،فأخبر زوجته بذلك، فعلمت انه نبي هذه الامه، وانقطع الوحي عنه لمدة ثلاثة سنين، فضاق صدره لذلك، حتى ذهب الى حراء مرة أخرى يتفكر ويتأمل كعادته،فإذا بجبرائيل يطل عليه ويقول: يا محمد انك رسول الله حقا، وقرت نفسه، وارتسمت على شفتيه ابتسامة الرضا،
وجاء الى بيته ليستريح بعد قلق طويل، فاخلد للراحة وغلب عليه النوم، و كانت خديجة تراقبه وهو نائم، و اذا به قد اهتز واضطرب و ثقل تنفسه و بلل العرق وجهه فاستيقظ من نومه ليسمع الى الوحي.. يقول:
\”يا أيها المدثر، قم فأنذر وربك فكبر، وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر، ولربك فاهجر .. \” فأشفقت عليه لما رأته من حالته، ودعته الى الخلود ثانية للنوم وللراحة، و اذا به يطوي فراشة ويقول: لقد انقضى وقت النوم يا خديجة \”
فقد امرني الله ان انذر الناس و أدعوهم إليه.

هكذا كانت البداية، فتحرك للإعلان عن الرسالة مع عائلته أولا وأطلعهم على رسالته وطلب منهم ان يساندوه، فما وقف معه إلا علي بن أبى طالب( ع ). ثم ابتدأ ينشر دعوته للناس كافة، فصعد على الصفا واخذ ينادي الناس، حتى اذا اجتمعوا، قال لهم :
\”ارأيتم لو أخبرتكم ان خيلا في سفح هذا الجبل قد طلعت عليكم أكنتم مصدقي \”
فقالوا بلسان واحد : نعم أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا قط.
قال :\” اني نذير لكم من عذاب شديد .. \” ان الله امرني ان أنذركم من عقابه و اني لا املك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبا إلا ان تقولوا لا اله إلا الله \”. وبدأت حملة من الإرهاب والقمع عليه وعلى من آمن به ومع ذلك انتشرت رسالته في أوساط الناس لأنها جاءت لإنقاذ الناس من الظلم والطغيان وتخرجهم من عبادة العبيد الى عبادة خالقهم، فتطلع العبيد والفقراء والمستضعفون والشرفاء من الناس الى ذلك المستقبل الذي يعيش فيه الإنسان حرا مستقلا، بعيدا عن القيود .
وجاءت قريش الى أبي طالب، يضغطون عليه، فقالوا له: قل لابن أخيك يترك آلهتنا ونحن ندعه و إلهه، فعرض ذلك عليه أبو طالب، فقال له النبي(ص) أي عم أو لا ادعهم الى ما هو خير لهم منها، ان يقولو : \”لا اله إلا الله\” فنفروا منه .
فقال (ص): لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غير هذا \”
وجاءوا مرة أخرى الى النبي مباشرة، فعرضوا عليه عرضا مغريا :
\” ان كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك، وان كنت تريد شرفا سودناك علينا، وان كنت تريد ملكا ملكناك علينا \”
فرده كما في المرة السابقة، ولم يفد معه شيئا .
بعد ذلك فرضوا على رسول الله والمسلمين المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية، ودخلوا في شعب أبى طالب، وهددت حياة رسول الله (ص)، واستمروا ثلاث سنين، وفي نهاية هذه السنين مات عمه أبو طالب وزوجته فكان عام حزن عليه.

وخرج النبي للطائف لعلها تنصره، لكنها كانت كقريش، رفضوا دعوته، وقذفوه بالحجارة، فاستند الى جدار والدماء تسيل من ساقيه وشكي حالته الى ربه. ثم رجع ثانية الى مكة.
وجاء نفر من يثرب الى مكة وتعرفوا على رسول الله، فدخلوا الاسلام، وتعاهدوا معه على ان ينصروه ويدافعون عنه كما يدافعون عن أنفسهم، وان يهيئوا له المدينة لتكون ارض مهاجرته.
وقرر الرسول الهجرة الى المدينة، ونام علي بن أبى طالب في فراشه تلك الليلة، وانسل في جنح الليل وانطلق الى المدينة. واستقبله أهل المدينة بالترحاب.
في المدينة أسس النبي دولة من طراز جديد، آخى فيها بين أهل الأرض والمهاجرين إليها، ودافع عن أهلها من غير دينه كما يدافع عن أصحابه، وخاض حروبا كثيرا ـ فما كادت تفوت اشهر دون حرب ـ دافع فيها عن دولته ودينه .
وما مرت عشر سنين على مهاجرته إلا وشبه الجزيرة العربية و الأطراف قد دخلت في الاسلام، وتحولت مكة من قرية صغيرة في التاريخ والجغرافيا، الى نواة الإشعاع الحضاري واستطاع هذا الرجل الأمي اليتيم، ان يبقى اعظم رجل على وجه الأرض حتى اليوم الحاضر، و لا يزال اليوم ملايين الناس، ينظرون الى هذا النبي كملهم للتغير ونموذجا للحياة الأفضل .
هذا جانب من إنجازات الرسول (ص)، وهنالك إنجاز اعظم منه، وهو ان الرسول ربي نموذجا من الناس يختلف اختلافا كليا عن سواهم، فهو ربي علي ابن أبي طالب الرجل الذي كان معطاء في كافة الحقول، واستطاع ان يحول العرب الحفاة الغلاظ القساة القلوب، الى أناس مرهفي الإحساس،حتى ان جماعة منهم، سقطوا على وجه الأرض جرحى، وجاءوا لهم بالماء، فكان كل واحد منهم يؤثر صاحبه بالشرب على نفسه حتى ماتوا جميعا.

ان الذين تربوا على يدي رسول الله، تساقطت عندهم كافة الحواجب التي تمنع الإنسان عن الانطلاق والنظر الى أخيه الإنسان على حد سواء مثله. حتى اذا عير أحدهم أحدا بلونه الأسود، صرخ فيهم رسول الله، اجاهلية بعد الاسلام، فقال الذي عير لصاحبه، ضع رجلك على خدي حتى تنقلع الجاهلية من قلبي ولا أعود لها أبدا. واستطاع الرسول الأعظم (ص) ان يقتلع من داخل النفوس العنصرية البغيضة وتقويم الإنسان على أساس من لونه أو عرقه أو لغته، وجعل القيمة الوحيدة التي يمتاز بها الناس عن بعضهم التقوى .

‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍* * *
والتماس لمحه من أخلاقه، ترينا نموذجا من سلوكه الذي استطاع ان يكسب به الناس، ويلف حوله ألا بعدين و الاقربين:

1 / هذا يهودي ، اعتاد في كل يوم، ان يضع في طريق النبي القاذورات ليؤذيه و يستهزئ به ـ و أني لاعجب، كيف يستطيع رجل عادي ان يضع في طريق (الملك) أو الحاكم قاذورات، و استمر على هذا الحال طورا من الزمن، حتى تغيب ثلاثة أيام، فسأل النبي.. أين الرجل الذي يضع القاذورات في طريقي، قالوا : هو ـ مريض يا رسول الله، قال: هلموا معي لنزوره في بيته.. و بمجرد أن سمع الرجل اليهودي، ان محمدا قادم لزيارته (لعيادته)، قفز من جلده مستغربا.. أيعيدني في مرضي و أنا الذي أؤذيه، وما كاد رسول الله يضع رجله في بيته، و اذا به يقول للرسول: امدد يدك لابايعك، فاشهد ان لا اله إلا الله، وانك رسول الله.

2/ وهذا يهودي آ خر، كان له دين على رسول الله، ولما حان وقته، جاء الى رسول الله، فقال له الرسول ما في يدي شيء الآن فأمهلني يوما أو بعض يوم حتى ارجع دينك لك، فقال له اليهودي: لا ابرح عنك في موضعي هذا حتى ترد على مالي، وحبس رسول الله عند ذلك الجدار، حتى صلى رسول الله الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصباح.. وبقي معه اليوم الثاني.. لم يتحرك من مكانه وجاء بعض الأنصار الى الرسول وقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك، مرنا فيه فقال: دعوه فانه صاحب حق..
حتى اذا صلى الرسول صلاة الظهر، قال له اليهودي: اشهد ان لا اله إلا الله وانك رسول الله، وقاسم الرسول ماله فاعطى نصفه للرسول و أبقى له النصف الآخر .

3 / يغزو الإمام علي ابن أبي طالب اليمن، فيأتي له بأسرى ومغانم، ومن ضمن الأسرى سفانة بنت حاتم الطائي، وقد أعدت للأسرى حضيرة بجانب المسجد، حتى يكونوا أمام أعين الناس.
فوقفت سفانة أمام النبي قائلة: يا محمد! مات الوالد وغاب الوافد وأنا ابنة سيد قومي، وكان أبي يحب مكارم الأخلاق، ويفك العاني ويحمي الذمار، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، وما جاءه طالب حاجة إلا ورده بها.
فقال النبي(ص):\”هذه صفات المؤمنين، من أبوك؟\”
قالت:أنا سفانة ابنة حاتم الطائي.
فقال رسول الله(ص):\”حقا لو كان أبوك مؤمنا لترحمنا عليه\”
ثم أردف قائلا لأصحابه:\”خلوا عنها، كرامة لأبيها\”
فقالت:أنا وحدي؟ أم أنا ومن معي؟
قال النبي \”ص\”:\”خلوا عمن معها كرامة لها.\”
ثم أمر لها بحمر النعم (الإبل والبقر والغنم) فأعطى لها حتى سد ما بين جبلين.
فقالت:يا محمد، هذا عطاء من لا يخاف أفقر!
فقال رسول الله(ص):\”هكذا أدبني ربي فأحسن تأديبي.
ثم قالت:أي محمد أتأذن لي بالدعاء؟
فرفع النبي(ص) يديه علامة الإذن.
فقالت:\”أصاب الله ببرك مواقعه، ولا جعل لك الى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة قوم الا وجعلك سببا لردها عليهم\”
فقال النبي(ص):\”آمين.

والآن لنرى ماذا يقول لنا التاريخ عن هذا النبي الكريم :
يقول المؤرخ القدير \” ويل ديورانت \” في كتابه قصة الحضارة :
\” اذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من اثر في الناس قلنا ان محمدا كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه ان يرفع المستوى الروحي و الأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحا لم يدانه فيه أي مصلح في التاريخ كله \” .
ويقول \” مايكل هارت \” عن رسول الله (ص) :
\” لقد أسس محمد ونشر أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام، ففي هذه الأيام وبعد مرور ثلاثة عشر قرنا تقريبا على وفاته فان تأثيره لا يزال قويا وعارما متجددا.
ان أكثر الأشخاص الذين كان لهم تأثير في الأرض إنما كانت لهم ميزات فائقة لانهم ولدوا ودرجوا في مراكز حضارية، وترعرعوا في أحضان أمم ذات سمات ثقافية وسياسية واجتماعية بالغة الأهمية .
أما محمد فقد ولد في عام 570م، في مدينة مكة جنوب شبه الجزيرة العربية التي كانت في ذلك الوقت منطقة متخلفة عن الحضارة بعيدة عن المراكز الحيوية سواء كانت تجارية أو فنية أو علمية في العالم \”.

بعد كل هذا الاستعراض ، دعونا نطرح هذا السؤال :
ما هي حاجتنا لرسول الله محمد بن عبد الله (ص) في هذا العصر ؟
قد يتصور البعض ان دور رسول الله يقتصر على زمانه، ولم يعد قادرا على إعطاء الحياة للأمم من بعده.
وقد يتصور البعض الأخر ان محمدا (ص) ليس أكثر من تاريخ ناصع مرت به أمة من الأمم في فترة من دوراتها التاريخية وليس بأكثر من بقعة بيضاء في تاريخ البشرية الغالب فيه جانب الظلام .
لكن الحق بالنسبة للنبي محمد انه أسوة وقدوة للبشرية كافة في جميع الدهور والعصور وهو ما يقوله كتاب الله العزيز عنه:
\” ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة \”
فلنحاول بشكل جدي ان نبحث عن حاجتنا له في هذا الزمن وبالطبع يصعب علينا ان نستل كل حاجاتنا من رسول الله بضربة واحدة لذلك ينبغي منا ان نجعل سيرته برنامج درس يومي لنأخذ منه العبر واحدة بعد الأخرى. ولابد ان نؤكد على نقطة هامة جدا وهي ان التحضر والعلم و الأخلاق والسلوكيات الحسنة التي نجدها عند المسلمين اليوم من نتاج هذا النبي العظيم، ولو حاول أحد ان يلغي محمدا من حياة المسلمين فان حياتهم ستصبح لا معنى لها ولا جدوى وهكذا فان أي أحد أو جماعة من المسلمين اذا ما انسلخت عن النبي فان حياتها ستصبح حياة تيه وضلال .
لكن مع ذلك هنالك نقاط تفرض نفسها بشكل أولي، حينما نبحث عن حاجتنا لرسول الله اليوم.
أولا : نحن نحتاج رسول الله (ص)، لبناء شخصياتنا بشكل مميز عن شخصيات الآخرين، فنحن نعيش في عصر تتنافس فيه البرامج لصياغة شخصية الإنسان، سيما للإنسان الذي يعيش في هذه البلدان الغربية، ولابد لنا أن نرجع لرسول الله لنعرف منه منهج بناء الشخصية الإسلامية المستقلة .
فلننظر ما الذي يقوله رسول الله بهذا الصدد، حتى لا تتلاقفنا المذاهب، وتبني شخصياتنا على المستوى الفردي أو الجماعي بشكل مشوه .
يقول رسول الله (ص) :
\” أيها الناس، إنكم في دار هدنة، وأنتم على ظهر سفر، والسير بكم سريع فقد رأيتم الليل والنهار، والشمس والقمر، يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد ويأتيان بكل وعد ووعيد، فأعدوا الجهاز، لبعد المجاز، إنها دار بلاء وابتلاء، وانقطاع وفناء، فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فانه شافع مشفع، وماحل مصدّق، من جعله أمامه قاده الى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه الى النار، ومن جعله الدليل يدله على السبيل، وهو كتاب تفصيل وبيان وتحصيل، … \”
ان رسول الله حينما يرشدنا للقرآن، في اشد الظروف حلكة، فذلك لان القرآن كتاب حياة، كتاب بناء الشخصية الإسلامية بشكل مميز في عقيدتها و أخلاقها ومسلكياتها، ومنطقها اليومي في التعامل مع مجريات الحياة .
وبالفعل إننا حينما نراجع القرآن، وفي أوائل سوره، نراه يرسم صورة للشخصية الإسلامية تتميز عن سواها .
\”الم، ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما انزل إليك وما أنزل من قبلك، و بالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون\” 1ـ5/البقرة
فهذه الآيات توضح لنا ان الإيمان بالغيب هو بالضبط النقطة الفاصلة الأولى بين المؤمنين بالأديان السماوية ـومنهم المسلمين ـ وبين منكري الخالق والوحي والقيامة، وهذا الاختلاف ليس اختلافا عقائديا فقط، بل هو اختلاف منطقي، من حيث نمط التفكير، فطريقة المسلم اليومية في التفكير هي عدم إعطاء عالم الشهود كل التسليم للإيمان بحقيقة ما، بل فتح كوة على الغيب ليتدخل بشكل نهائي لحسم الكثير من الأمور، وهذا النمط من التفكير هو الذي يجعل المسلمين يختلفون عن الآخرين في تفسيرهم لفلسفة التاريخ. بالطبع هذا لا يعني انهم يقللون من أهمية عوامل الشهود في التأثير في مسيرة التاريخ، لكن القرار النهائي يرجعونه لحكمة ربانية \”لله الأمر من قبل ومن بعد \”.

ثم ان المسلمين ـ المتقين ـ يرتبطون بالله عبر الصلاة التي ترمز للعبادة.
كما انهم يرتبطون بالناس عبر إنفاق ما عندهم من إمكانيات لاهل الحاجة إليها.
ويؤمنون بجميع الرسالات السماوية، وما الاسلام عندهم إلا امتدادا للرسالات السماوية السابقة، وخاتما لها.
ثم انهم يؤمنون ان عمل الإنسان في هذه الدنيا ليس منحلا عن رباط المسؤولية، وانه سينال جزاءه عليه في الدنيا أولا وفي الآخرة في نهاية المطاف، من هنا لا مجال عند المؤمنين للعبث والتسيب.

ثانيا :ان المسلمين بحاجة الى رسول الله (ص) ليقفوا بحزم أمام الخلافات التي مرقتهم، وجعلت منهم أمة ضعيفة بعد ان كانوا دعاة مدنية وحضارة، لقد كان النبي في تاريخ المسلمين المحور الموحد لهم و إكسير التحضر عندهم، و لا يزال هو كذلك ان عرف المسلمون طريق العودة إليه.

ثالثا:إننا بحاجة الى أخلاق رسول الله (ص) في حياتنا اليومية، لكي نعكس حقيقة الرسالات السماوية، ومضامينها الأخلاقية الحقيقية، لا الإغراق في التمسك بالشكليات على حساب الغايات النهائية، وبذلك لا نساهم في تقدم أنفسنا فحسب، بل نقدم للعالم برنامجا عمليا لعلاج الكثير من الأزمات التي يعانيها، ولاشك ان علاج أزمات البشرية من ابرز أهداف الرسالات السماوية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *